بدأ العد التنازلى لخروج الرئيس المؤقت عدلى منصور من قصر الرئاسة، كان الرجل على مدار ما يقرب من ستة أشهر يحمل أمانة حكم مصر، بصبر حمل الأمانة بحب حمل الأمانة، بتفان عمل فى صمت ودأب، وكان يوم أمس الأول هو اليوم الأبرز فى حياة هذا القاضى النبيل الذى جاءه حكم مصر دون أن يطلب، وتعلقت به الجماهير واحترمته كما لم تحترم رئيسا من عشرات السنين، ولم يغب عن ذلك الرئيس الوقور المهذب أن يودعنا اليوم بمشهد غاية فى النبل والمحبة، ففى لجنته الانتخابية كان أحد المواطنين الأكفاء يريد أن يدلى بصوته، فآثره «الرئيس» على نفسه وأمسك بيده مصطحبا إياه إلى صندوقه الانتخابى ليمكن هذا المواطن الذى لم تمنعه عاهته من إبداء رأيه، ولم يخف من تهديد الإرهاب ولا من وعيد الإرهابيين، ومضى ليتوج بوسام الوطنية على يده، فوجد بجانبه رئيسا مازال مسكونا بروح القاضى العادل فنسى أنه الرئيس وعاد إلى مهنته الأصلية حينما كان يشرف على الانتخابات والاستفتاءات مساعدا للمحتاجين الراغبين فى إبداء رأيهم.
أوقن تمام اليقين بأن هذا المشهد لم يكن مصطنعا، وكذلك لم يصطنع «منصور» تلك الابتسامة البريئة الناصعة وهو يلتقط الصور التذكارية بعد أن أدلى بصوته وزين أصبعه بالحبر الفسفورى، وذلك لأنى كنت حاضرا فى آخر لقاء عقده الرئيس منصور مع المثقفين والإعلاميين والسياسيين للاستماع إلى آرائهم بشأن تعديل خارطة الطريق، ولقد لمست من خلال حديث «منصور» فى هذا اللقاء مدى ما يتمتع به من شفافية وصدق وإخلاص، وظهر هذا الأمر جليا حينما تحدث عن المعاقين حينما تأثر بشكل كبير وهو يذكر معاناتهم كل يوم، متحسرا على حالهم، معلنا استيائه البالغ من تجاهل هذه الشريحة المهمة من أبناء الشعب المصرى، قائلا إن الدولة لم تهمل المعاقين فحسب ولكنها نفتهم خارج حسابات الوطن، وتعاملت معهم وكأنهم غير موجودين.
من حق عدلى منصور الآن أن يستريح وأن يطمئن على ما بدأه من نضال حقيقى فى مؤسسة الرئاسة، ستة أشهر تحمل فيهم هذا القاضى النبيل ما لم يتعود عليه من انتقاد البعض وسخرية البعض الآخر، انتقل كما يقول المثل الشعبى «من الدار للنار» فتحمل مسؤوليته بصبر وجلد ومضى ليشارك فى صنع تاريخ جديد لمصر الجديدة، محاربا بهدوئه المعتاد وتأمله الإيجابى رذائل زبانية الإرهاب وجرائم مصاصى الحياة، ليضرب بذلك مثلا فى التحمل والصبر والاحترام والتراحم، ليضع هذا الرئيس الذى قاده القدر إلى مهمته الصعبة الرئيس القادم أمام تحد صعب، فغاية ما يرجوه الشعب المصرى من الرئيس القادم أن يكون له قلب كقلب عدلى منصور، يرى الحق حقا، ويرى الباطل باطلا، يعطف على المحتاج يشعر بآلام المعذبين، متمتعا بروح القاضى النبيل الذى لا يخاف من أحد إلا الله، ولا يرضخ سوى لضميره، ولا يبتغى شيئا إلا العدل.