بدأت أمس فى الحديث عن التحالفات السياسية والانتخابية التى كانت بين جماعة الإخوان، والتى لم تقتصر على الأحزاب، وإنما امتدت إلى تحالفات مع الرئيس الراحل أنور السادات، ثم نظام مبارك، وكان سؤالى هل يمكن ادعاء الحكمة بأثر رجعى والحكم على كل من أجرى هذه التحالفات مع الإخوان بأنه ارتكب إثما عظيما، وأنه بسببها تم ضرب الوطنية المصرية فى مقتل؟
التحالفات الانتخابية بين الأحزاب وجماعة الإخوان والتى بدأت فى ظل نظام مبارك مع حزب الوفد عام 1984 كانت تتم على قاعدتين، أولاهما أن الجماعة محظورة سياسيا، وليس لها حزب سياسى، وبالتالى فهى تبحث عن الغطاء الحزبى الشرعى «انتخابيا»، أما القاعدة الثانية فتتمثل فى أنها الأكثر تنظيما وعددا، مما يحقق الفائدة للقائمة الحزبية التى تخوض الانتخابات تحتها، كما كان التحالف يتم فى مناخ سياسى يقوم على معارضة نظام مبارك، وأيضا التعامل مع «الإخوان» كـ«فصيل وطنى» فى ظل هذه المعارضة، وهذا الرأى تحديدا كان قاسما مشتركا بين العديد من المفكرين والسياسيين، ليبراليين ويساريين وقوميين، وينطلق من سياق أن «الجماعة» موجودة فى الشارع، وأنها تعارض مبارك ونظامه، ولو مارست الاعتدال فى نهجها عبر مشروع حضارى وطنى جامع سيعود ذلك بالفائدة على مصر، وأن جهود البعض من خارجها فى الحوار معها ينصرف إلى جرها نحو هذا المعنى.
فى هذا السياق تقتضى الموضوعية النظر إلى هذه التحالفات على أن بعضها كان «وقتيا»، وتعد مسألة مشروعة فى الانتخابات، والقياس فى ذلك ننظر إليه من زاوية إذا ما كان قد أدى إلى تغيير الهوية السياسية للأحزاب أم لا، وتطبيقا لذلك نرى أحزابا دخلت التحالف بهويتها الأصلية، فى حين أحدثت انقلابا كاملا فى أحزاب أخرى على هويتها التى قامت على أساسها.
فى الأحزاب التى لم تغير هويتها يأتى حزب الوفد، ففى تحالفه فى انتخابات 1984 لم يتخل عن ليبراليته الأصيلة، وفى انتخابات 2011 لم يتخل حزب الكرامة عن هويته، وعلى العكس من الحالتين نجد تحالف «العمل والإخوان والأحرار» عام 1987، والذى خاض الانتخابات تحت شعار «الإسلام هو الحل»، وأدى هذا التحالف إلى انقلاب حزب العمل على هويته، فلم يعد «اشتراكيا» كما يشير اسمه «حزب العمل الاشتراكى»، وأصبح بفضل «عادل حسين» فرعا لجماعة الإخوان، يخوض معاركها، ويتحدث عن خطه «الإسلامى» الجديد، وأصبحت جريدة «الشعب» المتحدثة بلسان الحزب تتحدث بلسان الإخوان، وكان هناك مقالات ثابتة فيها لقيادات من «الجماعة»، مثل مصطفى مشهور ومأمون الهضيبى، وأدى هذا التحول إلى انشقاق الحزب، حيث قاد «أحمد مجاهد» الفريق الذى يتمسك بالنهج السياسى الأصلى للحزب، وفى النهاية كان قرار نظام مبارك بتجميد «العمل» وإغلاق جريدة «الشعب».
وامتد هذا الأمر إلى حزب الأحرار، حيث حاول معالجة ضعفه السياسى بمحاولة الالتحاق بنفس الركب الذى سار فيه حزب العمل، لكن لم يكن له نفس الصخب السياسى الذى أحدثه حزب العمل.
نعود إلى سؤال هل كانت هذه التحالفات خاطئة؟ وأستكمل غدا.