كلما تعقدت الأمور حولى كالعادة أقابله على المقهى يحمل صحفه القديمة التى لا أعرف لماذا تظل على حالها كل هذه السنين.. هذه المرة بدأنى بالسؤال ضاحكاً: طبعا محتار.
لم أرد.
- أنا مش محتار.. عارف وأنت أكيد عارف إن الثورات حبالها طويلة لكن إنت بتنسى.
ابتسمت.. قلت: فعلاً.. أنا كل ما أشوف حشود الشباب أنسى إنها فى بلد عايمة على بكابورت بقالها أربعين سنة وأقول الثورة انتصرت.
- الثورة بتنتصر كل يوم.. كان عندنا دستور قبيلة بأه عندنا دستور دولة مهما كان فيه من عيوب.
- مش قلقان من الدستور كتير.
- طيب يا سيدى كان عندنا قوتين فى البكابورت راحت قوة أو فى طريقها للضياع.. فاضل قوة.. أكيد هى دى سبب حيرتك.
- هى غايظانى بس لكن مؤكد هى أضعف من الأول.. نظام مبارك اللى بيحاول يرجع لن يستطيع بسهولة.
- طيب حيران ليه بأه؟
ابتسمت وقلت: علشان الصعوبة دى.. الصعوبة دى معناها معارك أخرى.. ويمكن دم.
- اسمع مافيش رئيس حييجى يعلنها كده إنه مع النظام القديم.. حيحكم على نفسه بالنهاية بدرى.
قلت: إنت بقيت أكثر منى إيمانا بالثورة.. كنت إنت دائما المرتاب.
- شوف.. الثورة يمكن ما تشوفهاش فى الشارع ولا حتى على وجوه الناس لكن هى فى الفضاء.. فى الهوا.. الناس بتتنفسها بهدوء وفى لحظة هوب.. شهيق.. زفير.. اخرج يا معلم للميادين.
ضحكت بصوت عال هذه المرة.. أعجبنى التشبيه.. قلت: طيب؟ ألا توجد فرصة للاستراحة من هذا كله؟
- طبعا سهلة جدا؟ لكن أمامنا خطوتين.. الأولى أنا واثق إنها حتكون كويسة.. المهم التانية.
- تقصد إيه؟
- أقصد انتخابات مجلس الشعب.. من غير أى دعاية لن يكون فيها وجود للإخوان المسلمين.. الناس اللى خرجت للدستور هى اللى حتخرج لانتخابات مجلس الشعب تسقطهم.
- طيب والحزب الوطنى؟ شايف إنه رجالته مش حيترشحوا فى الانتخابات.
- اللى حيترشح منهم يبقى نقبه على شونة.. سيبك من الإعلام والدعاية.. قبل كده اترشح منهم ناس بعد الثورة وما نجحوش. والمرة دى فرصة سقوطهم أكثر رغم كل الكلام اللى بتسمعه حواليك.. المهم بس ما يكونش فيه نظام القائمة اللى بيدخل ناس على قفا ناس.. نفس الحكاية مع الإخوان المسلمين.. حينجح أكيد ناس من حزب النور لكن دول يا جميل تحت السيطرة.
- مين اللى حينجح طيب؟
- ناس كتير من الأحزاب المدنية.. وشباب كتير كمان.. يعنى الثورة ماشية ولو ببطء.. ما تنساش سنة الإخوان اللى عطلتها كتير.
- طيب حاصدقك إلى حد كبير.. لكن حدثنى عن الرئيس.. أنا محتار.
- شوف من أولها كده أى رئيس حييجى يفتح الباب لنظام مبارك واهم وحيروح فى داهية.
نظرت إليه صامتا مندهشا فقال: أيوه.. ويبقى أهبل.. أرجوك اكتب دا على لسانى.. ما تخافش.. اللى ما ياخدش عظة من درس التاريخ تسميه إيه غير أهبل.. مش دا اللى عمله مرسى والإخوان.. ماشافوش الثورة اللى جابتهم فشالتهم.
- طيب.. حاصدقك برضه رغم إن النفس أمارة بالسوء.. ورغم إنى ما سمعتش كلمة لحد دلوقت من أى مرشح متوقع تطمن.
- شوف يا حبيبى الثورة دلوقت عايزة انقلاب!
- يخرب بيتك.. انقلاب إيه؟
- صدقنى.. انقلاب من الرئيس القادم على كل رموز النظام القديم.. فى كل مجال.. ودا مش محتاج عنف ولا دعاية.. كلمة واحدة منه الناس حتصدقها وحيمشوا وراه.. الناس مستعجلة على النهاية الصح.. وإذا ماعملش كده زى ما قلت لك حيرجع بينا للبداية وحيضيع فيها.
- برضه اللى محيرنى حاجة تانية.
- عارفها.. أنتم الأدباء موسوسين.. خايف تترفع شعارات إن مصر للجميع وهوب ترجع الدولة للتحالف فى السر مع الإخوان مثلا.. ويرجع الشعب بين المطرقة والسندان.
- ولعلمك الإخوان المسلمين ساعتها حينسوا كل اللى بيقولوه ويعتبروا نفسهم منتصرين.. ويفرحوا أوى ويجروا فى الشوارع لشغلهم القديم.. يعززوا النظام الأمنى ما دام سايبهم ويعتبروا قتلاهم شهداء ما دام حيشتغلوا فى التجارة ويكسبوا
قاطعنى قائلا: إيه حيلك حيلك.. يا عم الله يخليك انسى الإخوان وانسى نظام مبارك خالص.
سكت لحظات طالت شربنا فيها قهوة.. قال: ارتحت؟
- تقريبا.. لكن..
- حتقول حملات تشويه ثورة يناير وحتقول الشباب اللى بيتقبض عليه بسبب وبدون سبب وتتلفق له قضايا.. حاقول لك الغباء اللى بيخر من بقايا النظام القديم إنهم فاكرين الثورة عدد من النشطاء.. مش عارفين إنها موجات من الشباب ورا موجات.. يعنى مثلا بتوع حملة تمرد هل كانوا بيتصدروا المشهد فى يناير.. مش كلهم وفيه غيرهم وهكذا.
- يعنى لسه دم؟
- هو دا السؤال.. الرئيس اللى جاى فى إيده ينهى الدم وفى إيده يفتح له الطريق إذا فهم يعنى إيه ثورة.
- يعنى نستنى لما الرئيس دا ييجى والا نقول له؟
ضحك وضحكت.. فقال: سيبك إنت أهم حاجة إن الفريق السيسى مركز أوى على الستات.. وأنا طبعا معاه هما أجمل حاجة.. وبعديه كمان طلع الدكتور مصطفى حجازى قال فيهم شعر.. عارف دا معناه إيه؟
- معناه إنه لازم الفريق السيسى أو أى رئيس يسمع كلام الستات وإنت عارف اللى يخلى بيهم يجراله إيه.
ضحكنا من جديد فقال: عليك نور.. مش دلوقت الستات فى مقدمة المشهد.. مش لما كنا بنقول كده أيام الإخوان كانوا بيضحكوا علينا.. شوف بأه يا حلو اللى حيحاول يخلى بيهم.
ضحكت فقال: أنا مش باهزر والله.
سكتنا من جديد.. فقال: لسه حيران؟
- شوية.. يمكن لما أسمع أو أقرا برنامج أى مرشح للرئاسة أرتاح شوية.
- اسمع هى كلمة حاقولها لك.. الرجالة ممكن ينضحك عليها.. أما الستات.. فانسى يا حبيبى.
- عارف رغم إنى ما وصلتش معاك لحاجة.. بس حاصدقك.
- اشرب القهوة.
- شربنا كتير يا عم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة