فى الاستفتاء على دستور 2014.. هناك من قال «لا» فى وجه من قال «نعم».. وهناك من قال «نعم» فى وجه من قال «لا».. وما بين المباراة الانتقامية فى التصويت كانت هناك «لا» و«نعم» لأسباب مختلفة.. ولهذا ففريق «لا».. أو فريق «نعم».. ليس فريقا متجانسا يحمل أصحابه موقفاً واحداً، وتختلف دوافع كل مجموعة داخل الفريق.
ربما يتصدر المشهد أصحاب التوجه التصويتى الانتقامى خاصة من أصحاب «لا» والمقاطعة، وهؤلاء الذين يبنون موقفهم على رفض دستور 2014 بصرف النظر عن مضمونه باعتباره دستور الانقلاب الشعبى أو العسكرى على مرسى وحكم الإخوان، ومعظم هؤلاء من جمهور جماعات الإسلام السياسى أو التأسلم السياسى.. وانضمت إليهم مجموعات رافضة مدفوعة ببعض نتائج الصراع الأخير بين المجتمع المدنى والجماعة، خاصة فى ظل بعض الحماقات التى شهدتها الأحداث الأخيرة من الطرفين، وإصرار القائمين على الحكم على تفجير مشكلات فى غير وقتها مثل «إصدار قانون التظاهر»، الذى استقطب عددا من جمهور المجتمع المدنى إلى جبهة الرفض التى امتدت إلى رفض الدستور.
أما أصحاب التصويت الانتقامى بـ«نعم»، فهؤلاء يمثلون الجبهة الرافضة لجماعة «الإخوان» وجماعات الإسلام السياسى، التى ساهمت فترة حكم الإخوان لمصر فى زيادتها.
ربما فرض مشهد تأييد شخص السيسى وتزكيته الشعبية لمنصب رئيس الجمهورية نفسه على الاستفتاء، حتى أصبحت صورة السيسى متصدرة لقطات الاستفتاء أكثر من عبارات الدستور، وأصبح الأمر لدى القاعدة العريضة الشعبية وكأنه استفتاء على السيسى، وأصبحت الصفة الملتصقة بأصحاب «نعم» أنهم من فريق «السيسى».. إلا أن هناك قطاعا من أصحاب «نعم» بنوا موقفهم على دوافع أخرى غير تأييد السلطة العسكرية أو شخص السيسى، مثل الرغبة فى الاستقرار أو الموافقة على بنود الدستور التى هى فى طبيعتها لا تختلف كثيراً عن مواد كل الدساتير السابقة، إلا أن تجربة التعامل مع دستور 2012 المعروف بدستور الإخوان جعلت من التمسك بدستور 2014 ضرورة لعبور هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها، فدستور 2012 كان يحمل مشكلة غير بسيطة، فقد كانت بعض المواد المضافة إلى دستور 2012 مثل المادة 10 التى وضعت كلمة «المجتمع» بمعناها غير المحدد بجانب كلمة «الدولة» كمسئولين عن ترسيخ قيم الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، والحفاظ على تماسكها واستقرارها، والتكريس لقيمها الأخلاقية وحمايتها، وهو ما يعنى شرعية قيام الجماعات الدعوية الدينية والأخلاقية، وحقها فى التدخل فى تقييم سلوك وتصرفات المواطنين، وهذا على سبيل المثال، ما يهمنا أن الجمهور الذى كان مدركاً لمخاطر دستور 2012، هو جزء من نفس الجمهور الذى صوت بـ«نعم» على دستور 2014، رغم أن جزءا ليس قليلا منه من الرافضين لتولى السيسى الرئاسة ومن الرافضين لحكم الجيش.
المقارنات السابقة كانت بين جمهور النخبة أو الصفوة أو المهتمين بتفاصيل المتغيرات السياسية، أما الجمهور خارج هذه الأطر فدوافعه سواء بـ«لا» أو «نعم» كانت مختلفة.. فمعظم أصحاب «لا» من هذا القطاع هم من الواقعين تحت تأثير خديعة الدعاية الدينية، وصبغ الدستور الجديد بالكفر والفساد والانحلال من خلال لعب جماعات الإسلام على عواطفهم الدينية الساخنة ووعيهم السياسى الضعيف وأمية فئات منهم، وهى اللعبة التى طالما أجادتها جماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسى، والمقصود ربط التصويت لصالحهم أو لموقفهم بالإيمان والدين ومظاهر أخلاقية، أما جمهور «نعم» فى القطاع الشعبى، فقد كان دافعه الأكبر هو الرغبة فى الاستقرار والشعور بالأمان وهما الميزتان اللتان فقدهما بوضوح بعد الانتفاضة الشعبية فى يناير 2011، وخاصة أن هذه السنوات الثلاث شهدت تدهورا اقتصاديا ومعيشيا وأمنيا مبالغا فيه، وبصرف النظر عن تحليل أسباب هذه الأزمات وعن المسؤول عنها إلا أن الشاهد أمام الشعب هو أن هناك أزمة تحتاج ليد قوية لاستيعابها، ولا يوجد فى المشهد أقوى من يد الجيش، وخاصة فى ظل ضعف قوة الاتجاهات السياسية المدنية.
الرافضون للدستور اتخذوا من المقاطعة وسيلة للتعبير عن رفضهم بدلاً من الذهاب للتصويت بـ«لا» وهو ما أثر على نسبة الحضور بالسلب، إلا أنه من ناحية أخرى كان له تأثيره الإيجابى على نسبة الموافقين على الدستور بالنسبة للحضور عامة، كما أنه من الملاحظ ارتفاع نسبة السيدات بين الحضور، والتى كان من الظاهر أنهن من الموافقات ليس فقط على الدستور إنما أيضا حملوا معهم مظاهر مبكرة لترشيح وتأييد «السيسى» رئيساً للدولة، والتفسير الأكبر لهذه الظاهرة هو أن النساء أكثر إحساسا بالقلق من الرجال وخاصة تجاه الانهيارات الاقتصادية والأمنية والمعيشية.
الخلاصة ليس كل من قال «نعم» مؤيداً للحكم العسكرى أو للسيسى، وليس كل من قال «لا» تابعاً للإخوان.. والخلاصة أيضاً أن الأزمة لا تكمن فى هذه اللحظة بقدر ما ستكون واضحة لو فشل القادم فى تحقيق الاستقرار المأمول.