«إشمعنى عمر؟ طب ما تشوف هو عمل إيه قبل كدة».. جملة ترد بها طفلتى الصغيرة كلما عاتبتها أو نهيتها عن خطأ ما قد اقترفته أو لُمتها على أمر قد قصرت فيه.. هكذا تتنصل من الخطأ بتلك النبرة الطفولية المتباكية والقائمة على منطق «إشمعنى» وكذلك يفعل أخوها إذا حدث العكس وتم لومه على خطأ اقترفه هو الآخر فيسارع لاستدعاء المقارنة وتصدير نفس المنطق، منطق: إشمعنى. ولعل ذلك المنطق «العيالى» يُقبل من طفل صغير أو من شخص غير مكتمل النضج العقلى أو الفكرى، لكن أن يستحضر ذلك المنطق من قبل أناس يفترض أنهم كبار السن والمقام راجحو العقل والتفكير فذلك بلا شك أمر يدعو للاندهاش والأسف.
أما الاندهاش فهو لدرجة سذاجة وسفه هذا المنطق الذى يُستدعى عند كل نكير ويُصَدَّر فى وجه كل من يرفض أو يستبشع خطأ أو تقصيرا، وأما الأسف فلتلاشى الشعور بالأسف، واختفاء ثقافة الاعتذار وتحمل المسؤولية لدى أولئك «المستعيلين» ومن سار على دربهم واستعمل منطقهم. منطق المقارنة الدائمة بالغير واستدعاء أخطائهم والتنقيب عن زلاتهم فى دفاتر التاريخ القريب أو البعيد، منطق: «إشمعنى»، وكأن كون الآخرين سيئين يتيح للمرء أن يكون سيئا وكأن أخطاءهم أو حتى جرائمهم تبيح له أن يُجرم أو يتهاون فى حق من حقوق الله أو حقوق عباده وكأن معصية الغير ترخص للجميع أن يفعلوا المثل بمنطق آخر بئيس.. منطق: ما هى بايظة بايظة هى يعنى جت عليا أنا! يعنى إنت مش شايف فلان وعلان وترتان بيهببوا إيه! هكذا يستباح أى شىء وكل شىء، وطالما كانت أخطاء الآخرين وسوءاتهم هى دوما مبررات أفعالك ومسوغات مواقفك فاعلم أنك مفلس.. نعم هذه هى الحقيقة المرة والمؤسفة وربما المفاجئة.. حقيقة تقطع بأنه لا يسأل عن جرمه إلا الذى أجرم «قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ»، وبالتالى فلا حجة فى الدنيا إلا بكسب المرء ومسؤولية الخطأ تقع على من اقترفه حتى لو أخطأ جميع من حوله معه «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم».
أعلم أنه قد يتبادر إلى ذهنك عزيزى القارئ أن هذه أمور بديهية يعرفها الجميع ودعنى أوافقك جدلا أنها أمور بديهية وأننى أنا وأنت لا نقع فى نقيضها ثم اسمح لى أن أسألك ألم تشهد مؤخرا أى حوار حول أخطاء طرف من أطراف الصراع السياسى أو الأيديولوجى فوجدت الحوار قد تحول فجأة بقدرة قادر إلى الحديث عن أخطاء الطرف الآخر كتبرير لتلك الأخطاء، ألم تفاجأ يوما بمخالفك يبرر أخطاءه أو خطايا فصيله بجرائم الفصيل الآخر، ألم تر قط استدعاء منطق المقارنات فى أى نقاش لا علاقة له بالمقارنات. تلك هى المشكلة يا عزيزى وهذا هو المنطق الذى أزعم أننا جميعا نستعمله ونقع فيه بغير قصد وأحيانا بقصد.. منطق إشمعنى فلان؟ منطق العيال والمتهربين من المسؤولية ومنطق المفلسين الذى لن ينفع يوم العرض والسؤال يوم تقف بين يدى الله فلا تُسأل إلا عن نفسك ولا تحاسب إلا على كسبك فربك يقول: «لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت» ويقول «كل نفس بما كسبت رهينة» ويقول: «وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، فانتبه الآن وأعد جوابا ليس فيه: أصل «فُلان» كان سيئا و«علّان» كان مجرما و«ترتان» قال وفعل وسوى وزاد وعاد.. أعد جوابا عنك أنت وأعلم أنك «لا تُكلف إلا نفسك»، فلا تقل: إشمعنى.
اقرأ أيضاً..
الاستئناف تحدد 28 يناير لمحاكمة "مرسي" و130 من قيادات الإرشاد والتنظيم الدولي في "اقتحام السجون".. أول قضية ينظرها القضاء المصري أمام دوائر "الإرهاب".. وأوراق القضية تضم 71 متهما أجنبي من حركة حماس
وزارة العدل: ننتظر الرد القطرى فى تسليم عاصم عبد الماجد
شارون بين الحياة والموت.. ينتظر الرحيل بعد تدهور حاد فى صحته وتوقف معظم أجهزته.. والأطباء يتوقعون وفاة مدبر مذبحة "صبرا وشاتيلا" خلال 4 أيام بعد 8 سنوات من "الغيبوبة الدماغية"
عمرو جاد يكتب : الشيطان قد يبدو نظيفاً أيضاً
طبيب الأهلى: 8 لاعبين يغيبون عن لقاء سموحة
كاريزما "حكيم" وأناقة "جنات" وشقاوة "بوسى" فى رأس السنة.. وصافيناز تشعل الاحتفالات برقصات جديدة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة