كنا ندرس ونحن طلبة فى قسم العلوم السياسية بقسم الاقتصاد نظرية تتحدث عن الاستبداد الشرقى، بمعنى أن وجود الأنهار، وتنظيم المياه فى المجتمعات الشرقية مثل العراق ومصر والصين، هى مجتمعات نهرية، وأن طبيعة الاجتماع النهرى، تفرض وجود حاكم مستبد لتنظيم استخدام المياه ومنع التنازع بين ما يوجد أدنى النهر وأعلاه، بحيث لا يستأثر من هو أعلى بالمياه دون الأدنى، وفكرة الاجتماع الشرقى قائمة على التعاضد الجماعى بين البنى المؤسسية كالأسرة والعشائر والقبائل الكبيرة، ومن ثم فإن فكرة الإجماع، أو التماثل فى الرأى هى أحد سمات تلك المجتمعات، على عكس المجتمعات الغربية التى تبدو فردية منذ كانت اليونان والرومان التى عرفت مؤسسات مستقرة للحكم، ويؤخذ فيها القرار بشكل تمثيلى وهو ما تطور فيما بعد فى الديمقراطية الغربية، التى قامت على أساس علاقة المواطن الفردية بالدولة. وقد تحدث القرآن الكريم عن النمط الفرعونى فى الحكم فى مصر فى مواطن عديدة، مثل قوله تعالى «أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى»، فالحاكم هنا يرى مصر بما عليها ملكا شخصيا له، وأن الناس ليس لهم علاقة بالقرار والحكم بل هو من يصنع القرار وحده وهو من يحكم متسلطا مستبدا وحده.
فى الواقع لم تعرف المجتمعات الإسلامية مثلا برلمانات إلا مع عام 1876 حيث أصدر السلطان عبدالحميد الثانى دستورا تحت ضغوط النظام الدولى، كما كان للثورة الفرنسية تأثير فى تعرف شباب وسياسيى العالم الإسلامى وقتها على مفاهيم الحرية والإخاء والمساواة التى أطلقتها الثورة الفرنسية، كما أن مصر باعتبارها عنوان التقدم والحداثة، عرفت نظم التمثيل السياسى للأمة، ووضع بعض القيود على الحاكم فى عصر إسماعيل، وعرفت الأحزاب السياسية فى عام 1906، وتأسست الفترة الليبرالية على النمط الديمقراطى الغربى، ولكن مع سلطات ملكية جعلت الوفد صاحب الأغلبية لا يحكم إلا سنين قليلة، بسبب حل البرلمان. عرفنا مفكرا مثل عبدالرحمن الكواكبى يكتب كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، يهاجم فيه الاستبداد الشرقى، والتمركز حول الحاكم ومدحه بطريقة سوف تقود لاستبداده، وهو كان يهاجم فى كتابه الاستبداد العثمانى، كانت مصر ملجأ للأحرار فى العالم، يأتون إليها ليعبروا عن أفكارهم، وقاد مفكروها حملة الحرية ومواجهة الاستبداد فى العالم العربى، وهذه إحدى قواها الناعمة، وبعد ثورة 25 يناير وموجاتها خرج الناس للمطالبة بالحرية، وتدشين دستورهم، بينما نرى حملات للتعبئة والحشد تذكرنا بمرحلة الحزب الواحد التى حكمت مصر بعد عام 1952، نحن نريد لمصر بعد الثورة علاقة عقلانية، وإرادة حرة لمواطنيها فى اتخاذ ما يريدون من قرارات بعيدا عن التأثير الإعلامى والحشد والتعبية لشخص ما، كانت الثورة كسرا لنظام مستبد متأله، ولن تسمح بعودة ذلك مرة أخرى، الاستبداد ليس قدرا هكذا، قالت ثورة 25 يناير، والافتراض الغربى عن نظرية الاستبداد الشرقى أكدت ثورة يناير أنه مجرد افتراض، وأن الشرق ومصر قادرة على النهوض بنظام سياسى يعكس قيم الثورة وآمال الشعب المصرى، وخاصة شبابه فى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.