الظلم الذى تعرض له الزعيم محمد فريد الذى سأحتفل بحلول ذكرى مرور 146 عاما على مولده اليوم معكم، أرجعه الأستاذ فتحى رضوان، رحمة الله عليه، إلى التاريخ العرفى غير المدون، والذى لا يحب لأبطاله غير الصور الواضحة، فإن تداخل فى خلق الصورة عنصران، ضحى التاريخ العرفى بأحدهما وأبرز الثانى، كما فعل مع محمود سامى البارودى وجعله الشاعر وليس السياسى، واختزل ابن خلدون فى المقدمة الشهيرة دون الكتاب الذى قدم له بهذه المقدمة، تجاهل الجميع حياته الفكرية وأبحاثه العلمية فى التاريخ واهتمامه المبكر بإفريقيا، لم يتحدثوا عن إسهامه فى تخليص اللغة من الزخارف.
هو ابن الباشا الذى وصل إلى منصب وكيل النائب العام، أيام كانت وظائف القضاء وقفا على أبناء الباشوات والبكوات، وهو أول قاضٍ يستقيل من منصبه بسبب السرور، ذهب إلى محكمة عابدين الجزئية كمواطن وليس كقاضٍ، ليشهد فى نوفمبر 1896 إحدى جلسات محاكمة الشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد وتوفيق أفندى كيرلس الموظف بمكتب تلغراف الأزبكية، لاتهامهما بأنهما أفشيا أسرارا حربية تتعلق بوضع الجيش المصرى فى السودان، لم يخف سروره وابتهاجه ببراءة المتهمين، فتم نقله إلى الصعيد ونقل القاضى على توفيق الذى أصدر الحكم.
استقال الزعيم استقالة زلزلت أركان الحكم، واشتغل فى المحاماة التى كانت لا تزال تدفع عن نفسها مظنة السوء، وحكى أحمد لطفى السيد فى مذكراته أنه شاهد أحمد باشا والد زعيمنا يبكى وهو يندب حظه فى ولده الذى فتح دكانا «أبوكاتو»، وكان العمل فى هذا الدكان مصابا يستحق الذين ينزل بهم المواساة، آلت إليه الزعامة بعد رحيل مصطفى كامل فى فبراير 1908، وتفرغ للحشد لدستور مصرى ينحاز للفقراء، وكان أول من دخل السجن بسبب مقدمة كتبها لديوان شعر، وللحديث إن شاء الله بقية.