انطلق قبل أيام موسم التشويش الفكرى الذى يصاحب تقييم ثورة يناير 2011، فنجد من يكتب أنها ثورة عظيمة تمكن من خلالها الشعب المصرى من إسقاط نظام مستبد، ونقرأ لآخرين يلعنونها، ويصفونها بأبشع الصفات (أحد إعلامى مبارك – الكبار – لم يستح أن يصفها بالمشبوهة مؤخرًا). هذا التراوح والارتباك فى وصف ما حدث فى يناير وفبراير 2011 يعود إلى أننا نجهل علم الثورات.. أجل فالثورة علم مثلها مثل العلوم الإنسانية الأخرى، وعليه، نستطيع أن نقرر بيقين كبير أن ثورة يناير 2011 كانت ثورة سياسية فقط، وأكرر سياسية فقط، تمكن فيها شعب أعزل من إسقاط نظام جاهل ومتغطرس ومستبد، لكن هذا النظام كان يعبر عن طبقة اجتماعية جشعة وغبية لم تسقط معه، بل تحايلت وغيرت جلدها مثل الحرباء واستردت عافيتها الآن.
نظرًا لجهلنا بعلم الثورات وتنظيم الشعب فى أحزاب سياسية تعبر عن مصالح الفقراء والبسطاء، لم نفلح فى استكمال الثورة السياسية، وتحويلها إلى ثورة اجتماعية اقتصادية، بمعنى أن الشعب الذى ثار فى يناير لم يستلم السلطة ليتخذ قرارات ثورية تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وهو الهدف الأسمى والأهم فى جميع ثورات التاريخ، وهكذا سُرقت ثورة يناير بكل سهولة وبإجراءات ديمقراطية شكلية اتخذها المجلس العسكرى (تعديل دستور/ استفتاء/ انتخابات)، حتى وصلت جماعة الإخوان إلى السلطة ليتحالف رأس المال المشبوه مع الفاشية الدينية بدعم أمريكى واضح وصريح!
لم يستطع الشعب هضم الوجبة الفاسدة التى وجد نفسه ملزما بابتلاعها، فانتفض وثار مرة أخرى ضد مرسى وإخوانه، لتصبح ثورة 30 يونيو 2014 ثورة سياسية فقط حتى الآن، إذ لم تتخذ أية قرارات تضبط ميزان العدل الاجتماعى المختل، الأمر الذى يؤكد أننا نحن المصريون نمتلك مهارة مدهشة فى إسقاط الأنظمة السياسية الغبية والمستبدة فقط، ولا نعرف الطريق إلى التغيير الجذرى للأوضاع الاجتماعية البائسة، وهو أمر مؤسف بطبيعة الحال.
إن الذين يكيلون السباب الآن لثورة يناير يهدفون إلى احتقار الشعب وازدرائه، لماذا؟ لأن أكثر من عشرين مليونا من البسطاء امتلكوا الجسارة بعد 30 عامًا من الخوف والجبن واللامبالاة، وهو أمر لا يعجب مبارك ورجاله وإعلاميوه ومنافقوه.. وما أكثرهم فى هذه الأيام!