كانت فضيحة تزوير إنتخابات مجلس الشعب لا تزال تجلجل فى الأركان، وأحمد عز وصفوت الشريف وأركان الحزب الوطنى يشربون نخب الانتصار المزيف.. سُئل فتحى سرور قبلها عن برنامجه الانتخابى لدائرته «السيدة زينب» فقال بكل صلف وغرور: «أنا برنامج»، وفى باقى الدوائر كان أمن الدولة يشرف على عمليات تقفيل الصناديق ضد كل المرشحين الشرفاء الذين يعيشون تحت جلد أبناء دوائرهم.. كان جمال مبارك ورجله أحمد عز يديران معركة الحياة والموت حتى يتم التوريث، واكتمل بؤس المشهد بتمثيلية أخرى هابطة وسفيهة، حيث أجريت انتخابات رئاسة مجلس الشعب، فحاز فتحى سرور أصوات الجميع.
كان مبارك يعيش فى عالمه الخاص، مريضًا معزولًا، وتتبارى أقلام السلطة فى التسبيح بحمده، وأن عصره أزهى العصور، ولم يهتز رمشه من تقارير تزوير الانتخابات التى تجلجل فى كل الأركان، وحتى الذين كان لهم موقف إيجابى نسبيًا من نظامه، لكنهم يمتلكون حصافة العقل والتفكير، لم يستطيعوا إخفاء غضبهم مما حدث متسائلين: «ماذا كان سيحدث لو سارت الانتخابات فى مسارها الطبيعى؟»، ويزيدون فى أسئلتهم: «هل كان النظام سيترنح لو فازت المعارضة مثلا بـ 100 مقعد أو أكثر فى برلمان عدده 444 نائبًا؟».. لكنها كانت أسئلة الوقت الضائع، والأسئلة التى لا تجد صداها عند أى أحد من النظام الذى افتقد عقله ورشده كاملًا.. والشاهد ما ذكره مبارك شخصيًا فى الإجابة عن سؤال حول رأيه فى البرلمان الشعبى الموازى الذى تكوّن من بعض أطياف المعارضة كوسيلة تعبير واحتجاج عما حدث فى الانتخابات، فأجاب مبارك بصلف وغرور: «خليهم يتسلوا».
أصبحت هذه الكلمة أيقونة على انسداد شرايين الفهم والعقل والفكر التى يعيش فيها مبارك ونظامه، وأصبحت على ألسنة المصريين الذين يتساءلون: إلى متى سنبقى على هذا البؤس؟، والى متى سنبقى خارج التاريخ؟، وإلى متى سيواصل نظام مبارك تقديم استقالة لمصر من التقدم؟، إلى متى سيبقى الإنسان المصرى مهانا، إلى متى سيبقى مسلوبا من أبسط حقوقه فى الديمقراطية والعدالة؟، إلى متى سيبقى محكومًا من نظام لا يعرف قيمة بلد يحكمه؟، إلى متى لا يحترم إرادة شعبه؟.. كانت هذه الأسئلة مطروحة، وكان نظام مبارك يتعامل مع الشعب المصرى بوصفه قطيعًا يحركه كيفما يريد.
فى مسار نظام مبارك عشنا العيب والخطأ على أنهما ميزة وصح، والتخلف على أنه تقدم، والغباء على أنه ذكاء، والعجز على أنه زحف إلى الأمام، والتبعية على أنها ندية، والكابوس المزعج على أنه حلم للتقدم، والفساد على أنه ادعاء وزعزعة للاستقرار، والاستبداد على أنه ديمقراطية، والمعارضة الشريفة على أنها عميلة للخارج.. ونستكمل.