وسأبدأ بجزء من مقال سابق لى من أسبوعين مضيا تقريبا كان بعنوان «سنة جديدة فى ذكرى ثورة مجيدة»، وكان المقال يحتوى على النص التالى: أرجوكم لا تنجروا إلى أخطاء حالية وقادمة، فدولة مبارك لم ولن تعود، والجهة التى تسعى لإبعاد التيار المدنى الثورى الحر من الحلبة السياسية حتى تستطيع إعادة دولة مبارك لم ولن تنتصر.. لا تغيروا مبادئكم بحجج وهمية، لا تخلطوا الأوراق فالإعلام جهاز تنويرى لا يبث التهم ولا يوزع الجرائم، والقضاء هو صوت العدل والتحقيق مع الخارجين على القانون، لا توافقوا على أن تتحول بلادكم إلى غابة بحجة التطهير.. أرسوا دولة القانون وهيبة الدولة على كل المستويات وليس فقط على المستوى الذى يتفق مع أهوائكم وآرائكم.. أنقذوا المجتمع من أن يقع فى فخ الانحلال والتفكك، فأحيانا يكون هذا نتاجا طبيعيا بعد الثورات أن يحدث انهيار للإطار الأخلاقى تحت مظلة تفسير مفهوم خاطئ للحريات.. هل المطلوب أن يصل بنا الحال أن الجاسوس أو الخائن أو الإرهابى يقتله أفراد من المجتمع فى الشارع نتيجة بث تليفزيونى أم يقدم للعدالة فى قضية محكمة الأدلة غير قابلة للطعن حتى لا يضيع الحق وتنتصر دولة القانون؟.. ارجموا أخطاء الماضى ولا تكرروها وتعلموا منها فالماضى لن يعود، أرسوا قواعد بناء دولة القانون والحفاظ على هيبة الدولة، اسموا بأخلاق مجتمعنا الشرقية وتمسكوا بها فى بناء دولة جديدة قوية فى عام جديد سعيد بإذن الله.
ولكن اكتشفت فى الأيام القليلة الماضية، أن المجتمع يقع فى فخ الانحلال الأخلاقى والتحريض والحض على الكراهية والعنف ولا أحد يمد يده لإنقاذه، التحريض الإعلامى والتشويه والاغتيال المعنوى وغياب القانون أدى إلى محاولات التعدى على، نعم جت سليمة المرة دى!! لكن محدش فكر فى المرة الجاية والدور على مين؟؟ بالعكس هناك المبسوطين والشمتانين والذين يفرحون ويهللون لتحول المواطنين إلى بلطجية وكأننا نوافق ضمنيا على بلطجة الإخوان واعتدائهم على المواطنين بدون وجه حق.. نسبة هؤلاء المحرضين والبلطجية وأهل الشماتة قد إيه من المجتمع لا أعرف، ولكنى أثق أنها ظاهرة تفشت فى المجتمع الآن، الفرحة والتهليل للتنصت على المكالمات حتى لو كانت شخصية وكأن القانون لا قيمة له، الفرحة والتهليل للاعتداء على البشر الذين نختلف معهم فى الشارع وكأننا ندعم ونؤيد البلطجة ودولة الغاب، محدش سأل نفسه هى الدولة والأمن القومى والجيش والمخابرات والداخلية سيبانا ليه عايشين وبنسافر ونيجى وبنشتغل وبنخرج ونعمل مؤتمرات ويدعينا رئيس الجمهورية لمناقشة خريطة الطريق دون تحقيق واحد معانا لمدة تزيد على 3 سنوات؟ تفتكروا علشان إحنا خونة وعملا وبنقبض من إسرائيل وأمريكا؟!! محدش من الناس اللى اعتدوا عليا شاف أن سيارتى مش بى إم دبليو، ولكنها سيارة صغيرة ماركة هيونداى أى تن وعرفوا أن بعض الإعلاميين كاذبون!! والدريكسيون اللى على اليمين الذى أصبح مادة للحوار على إحدى القنوات الفضائية مع فنان معروف بإبداعاته الخرافية هو بسبب زاوية تصوير الفيديو مش لأن عربيتى من بره مصر وموديل إنجليزى أيها العقلاء!! لا مش مهم.. المهم أنها عندها عربية وخلاص!! بقالى 14 سنة متخرجة من كلية الألسن جامعة عين شمس وبشتغل من وقتها ومينفعش أجيب عربية، فى كام مواطن مصرى من أسرة متوسطة ما اشتراش عربية بعد كام سنة من شغله؟ الأول عربية مستعملة وبعدين باعها ودفع المقدم فى عربية جديدة وقسط الباقى وأنا واحدة منهم يا شعب مصر المنصف!! محدش سأل نفسه هى اللجنة العليا للانتخابات بتدى تصريحات مراقبة للخونة والعملا والجواسيس؟!!
هذا بالنسبة لحملات التشوية، أما بالنسبة لفترة الفساد الإعلامى والحملة المستفزة لـ«نعم» للدستور التى تفتقد العقل والمنطق فيقودها رجال أعمال دولة مبارك وبعض الإعلاميين الذين لا يعلمون عن الحيادية والضمير الإعلامى شيئا، كانت سببا رئيسيا فى عزوف الكثيرين وخاصة الشباب عن التوجه للاستفتاء، وبرغم أننى مع الدستور فقط لأنه يستحق، وبرغم محاولة التعدى على، ولكننى أصررت على أن أذهب وأصوت لقناعتى وشعورى بواجبى تجاه بلدى، ولكن هناك الكثيرين الذين تأثروا بالحملات المستفزة والمناخ القائم أكثر من قناعتهم الشخصية، ومنهم من عزفوا عن الذهاب نتيجة القبض العشوائى على من يحملون بوسترات لا للدستور، وكأن الاستفتاء بخانة واحدة هى «نعم»!! أضف إلى ذلك عندما يصف بعض المسؤولين من سيصوتون بـ«لا» بالعملاء والخونة وخطباء الجوامع يصفونهم بأنهم خوارج، يبقى أكيد فى حاجة غلط بتتوغل فى المجتمع وسوف تدمر الجميع إذا لم نتصد لها.
وبغض النظر عن عزوف الشباب من عدمه بسبب عدم وجود إحصائيات رسمية تدل على ذلك حتى الآن، ولكن لدينا إحصائية أخرى مهمة حقيقية أعلنتها لجنة الانتخابات، وهى أن إجمالى عدد الناخبين 53 مليونا و423 ألفا و485 وصلت فيه نسبة التصويت نحو %38.6 بإجمالى 20 مليونا ونصف المليون، أى حوالى 33 مليونا لم يشاركوا فى الاستفتاء نحذف منهم حوالى 5 ملايين إخوان وهم من أعطوا مرسى صوتهم فى الجولة الأولى فى الانتخابات الرئيسية، ونحذف حوالى 2 مليون برغم أن «العدد كبير عليهم أوى» مش إخوان بس بيحترمهم، سيتبقى لدينا حوالى 26 مليون ناخب لم يشارك فى الاستفتاء!! ما هى فئتهم العمرية؟!! ما هى محافظاتهم؟!! أشياء كثيرة لابد أن نعلمها حتى نعرف لماذا فشلت معهم الحملة الإعلامية الضخمة التى لم يسبق لها مثيل بـ«نعم» للدستور؟ ما هو الخطاب الذى لم يوجه لهم؟ عماذا يبحثون؟ هل كلهم من المواطنين تحت خط الفقر فلم يسمعوا أصلا عن الدستور، إذًا لابد أن يسمعوا ما يريدون أن يسمعوه بغض النظر عن قيمته من عدمها فهم 26 مليونا يا بلد!!
والغريب أنه عندما قيل الشباب لم يصوت نتيجة للتغطيات الإعلامية الكثيفة التى لم يظهر فيها الشباب يقولون ولكن مفيش إحصائيات، ويرفضون تصديق تغطيات الإعلام، وعندهم حق فالمنطق والعقل يقول ذلك، وعندما يقولون هم إن الشباب عميل وخاين ونقول لهم، ارجعوا للقانون يقولون الإعلام يقول ذلك ويأبون أن ينتظروا لسماع حكم القضاء.. نصدق الإعلام عندما يتوحد مع أهوائنا ونرفض الإعلام عندما يختلف عن أهوائنا.
فرحت مثل الكثيرين بالإقبال على الاستفتاء وبمشاركة المرأة التى لم تفاجئنى، فقد عهدتها كذلك منذ ثورة يناير، سعدت بالعفوية النابعة من قلوبهم بالرقص والغناء أمام اللجنة، سعدت بالتغطيات الرائعة لأهل الفن المصرى وهم يصوتون للدستور، ولكن توقفت لأتساءل أين باقى المجتمع من شخصيات عامة وكتاب ومثقفين وهم يصوتون للدستور؟ أين العلماء والباحثون أين رؤساء الجامعات؟ أين د. مجدى يعقوب؟ أين د. محمد غنيم؟ أين أهالى سيناء والنوبة؟ أين لجنة الخمسين وهم يصوتون على صناعة عقولهم وضمائرهم فى هذا الدستور؟ طبعا شهدنا القليل منهم عابرا أو ربما شاهدنا فقط رئيس اللجنة المبجل السيد عمرو موسى، لماذا ركز الإعلام على أهل الفن والغناء فقط، مع احترامى لهم فهم شريحة من المجتمع ولكننا نريد أن نرى طوائف المجتمع وهى تصوت كما رأينا طوائف المجتمع فى لجنة الخمسين؟ ولماذا التركيز على زكريا عزمى وأبوالعينين وآخرين رجال دولة مبارك وهو يصوتون؟ هل هذا أصبح ما يريده المجتمع من الإعلام؟
هل حرصت قناة إعلامية واحدة أن تسأل الناخبين والناخبات عن مميزات هذا الدستور؟ لماذا سيصوتون بنعم؟ لم أر ذلك ويمكن كان هناك القليل النادر ولكن الأغلبية حرصوا على تغطية أنهم فقط نزلوا يقولون نعم!! هل إنهم بالفعل نزلوا لأنهم قرأوا الدستور ويريدون تطبيقه مثلما نحلم نحن ألا يكون هذا الدستور حبرا على ورق بل يكون منهج حياة؟!! وللعلم بعد إقرار الدستور انتهكت المادتان 57، 58 من الدستور عن طريق إحدى القنوات الفضائية وعادى محدش قال إن الدستور ينتهك! هل سأل أحد الإعلاميين ما علاقة حبنا ودعمنا للفريق أول عبدالفتاح السيسى بالاستفتاء على الدستور؟!! فالانتخابات الرئاسية قادمة لحملة الحب والدعم، فلماذا تخترق هذه الحملة الاستفتاء على هذا الدستور القيم وتجعلنا ننسى أن الاستفتاء على دستور بلادنا استفتاء على شىء له وقاره وقيمته وعزته وليس على شخص مهما كان حبنا واحترامنا وتقديرنا لهذا الشخص؟
آفة مجتمعنا الكبرى بعد 30 يونيو الإعلام المصرى إلا ما ندر، وهذه الآفة تتكاثر وتنتج آفات أخرى كراهية وتحريضا وانقساما وانتقاما، والكل سيحصد ثمار هذه الآفة، إذا لم نتصد لها ونكافحها بالمبيدات التى لابد أن تفتك بها قبل أن تفتك بالمجتمع المصرى، فأنا الآن لا أشعر بمرارة عقاب.. مادمت مقتنعة بما فعلت.. ما أشعر بقسوته حقا هو العقاب على جرم لم أرتكبه.. عدل الله قادم لا محالة.