بعد ثلاث سنوات يمكن القول بأن الثورة لم تصل إلى الإعلام العام والخاص، ويبدو أنها لن تصل! لم يكن إعلامنا قبل الثورة مهنيا واحترافيا بدرجة مرضية، وإنما كان مسيسا بدرجة كبيرة وخاضعا لأهواء ومصالح نظام مبارك وبعض رجال الأعمال الذين أطلقوا عددا محدودا من القنوات التليفزيونية، باختصار كان أداة دعائية وأيديولوجية تعمل لخدمة مصالح النظام والمتحالفين معه من كبار رجال الأعمال، كما كان يعكس أيضا خلافاتهم على توزيع الثروة والسلطة.
وبعد الثورة استمر تدهور أحوال الإعلام فسقط الحد الأدنى من المهنية والحرفية، وانتهكت على نطاق واسع مواثيق الشرف الإعلامى والأخلاق العامة، وتورط الإعلام العام والخاص أكثر فى السياسة وتحول إلى أداة للاستقطاب والصراع بين معسكر القوى المدنية والقوى المتأسلمة بقيادة الإخوان. والمفارقة أن هذا التدهور جرى بوتيرة متسارعة، وبعد ظهور عديد من القنوات والصحف الخاصة التى أنفق عليها عدد من رجال الأعمال أموالا طائلة، وبعد تراجع مستويات التمويل والأداء فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية، أى أن الإعلام استبدل هيمنة الدولة بهيمنة عدد قليل من رجال الأعمال من تربطهم علاقات قوية بنظام مبارك، مع انهيار شامل فى المهنية ومواثيق الشرف الإعلامى.
وأثناء حكم الإخوان أصبح الإعلام أحد أهم وسائل الصراع السياسى ولعب دورا مهما فى تعميق الاستقطاب والصراع فى المجتمع، وتورط إعلام الإخوان وخصومهم فى ممارسات لا يمكن علميا وأخلاقيا نسبتها إلى الإعلام كمهنة وعلم له قواعد ومواثيق شرف، وإنما يمكن وصفها بالدعاية والتضليل، والمدهش أن كل القوى السياسية ومعظم الإعلاميين استمتعوا بهذه الحالة من «اللا إعلام» وراهنوا بسذاجة على الدور الكبير للميديا فى تحريك الأحداث وتغيير اتجاهات الناس، أو بالتحديد راهنوا على قدرتهم على تضليل الرأى العام والتلاعب بعقول وعواطف الجماهير أو الحشود البلهاء!! وكسبها إلى صفهم.
لا أتعالى على الجماهير ولكنى أصف الفرضية التى حركت وما تزال الإعلام - الدعائى - التحريضى خلال سنوات الثورة الثلاث، وتعتمد فرضية الحشود البلهاء على أن الجمهور ضعيف الذاكرة، ولا يتذكر كثيرا من الأحداث والمواقف، وهو لا يفكر بعقلانية، وإنما يخضع لعواطفه خاصة مخاوفه، لذلك كلما أنتجت الميديا أحداثا وحكايات عن المؤامرة الخارجية والأخطار التى تهدد الوطن فإن الحشود المتجمعة حول التليفزيون تصدق كل ما تبثه الميديا، وتخضع تماما لسحر الشاشات والصور، كما تتأثر بمسرحة الأحداث وتبسيطها فى شكل أخيار وأشرار، أبيض وأسود، لا ثالث لهما، فالحشود فى عصر انفجار المعلومات وتعدد وتنوع الميديا وتضارب الروايات لا تريد أن تبذل جهدا ووقتا فى التدقيق بين الروايات المختلفة أو الاطلاع على الرأى والرأى الآخر، وإنما تميل إلى تصديق ما تراه أقرب إليها نفسيا وعاطفيا، فهى تبحث عن يقين بسيط يبعث فى نفسها الثقة والطمأنينة لذلك قد تصدق ما يرويه مقدم برامج معين لأنه يتفق مع أفكارها أو مخاوفها، كما قد تميل إلى متابعة مقدمة برامج تفتقر للموهبة أو القدرة الإعلامية، ولكنها تمتلك قدرا كبيرا من الجمال والشياكة!
وهكذا تبدو خيارات الحشود لمقدمى البرامج وللمضامين الإعلامية غريبة وغير عقلانية ويحكمها إلى حد كبير التعود، نعم التعود، وإلا ما هو التفسير المنطقى أو الإعلامى لاستمرار أشهر مقدمى برامج التوك شو قبل ثورة يناير وبعدها وحتى الآن، رغم ما طرأ على مواقفهم من تحولات غريبة، بداية بتأييد مبارك ثم ثورة يناير ثم معارضة حكم الإخوان، فدعم ثورة 30 يونيو، والهجوم على 25 يناير وتصويرها كمؤامرة؟ طبعا قد يقال إن رجال الأعمال أصحاب القنوات الخاصة اختاروا هؤلاء النجوم لكن يظل اختيارهم قائما على فكرة تعود الجمهور على وجوههم، وقدرتهم على التحول وجعل الحشود تصدق أكاذيبهم.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد عبد الباقى المحامى
الملايين خرجت بالأمس تطالب بالأمن و الأستقرار و ترشح السيسى ! ثورة إيه !
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الوهاب البرلسى بالنقض
الشعب قرفان من كلمة مطالب الثورة و نشطاء الثورة و أهداف الثورة و مرشح الثورة ......
عدد الردود 0
بواسطة:
مستشار سيد عبد المنعم
العكس تماما : ثورة 30 يونيو هى التى لم تصل لمحمد شومان !
عدد الردود 0
بواسطة:
الدكتور أشرف البربرى
يا سيدى كل المصريين عرفوا تماما ان 25 يناير مؤامرة امريكية لتفتيت مصر لدويلات
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد بلال المحامى
مكتسبات 25 يناير : حرية الفوضى +خراب إقتصادى + إنهيار أمنى +وصول الأخوان للحكم