يطول الحديث عن فساد نظام مبارك الذى أدى إلى ثورة 25 يناير، وهو ما تناولته فى مقالاتى الأربع السابقة، والقصد منها أن نتذكر الحقائق الكاشفة التى قادت إلى الثورة، ولا يمكن القول إنها كانت من تدابير مؤامرات خارجية وداخلية، فهذا اعتقاد خاطئ يعطى صك البراءة لنظام مبارك الفاسد والمستبد، ويهين الثورة التى قام بها الشعب المصرى، وخرجت أطيافه بكاملها تطالب بالتغيير الجذرى للأوضاع التى سادت.
لم تكن الثورة صنيعة كتل سياسية أو أحزاب، ولم تكن صنيعة جماعة الإخوان التى لم تكن استثناء من تحالفات وصفقات مع نظام مبارك، لم تكن «الجماعة» يوما من المنادين بالثورة، ويأتى ذلك من أصول فكرها السياسى الذى يقوم على الإصلاح وليس الثورة، كما أنه لم يعد سرا أن «الجماعة» لم تشارك فى الثورة إلا بعد ثلاثة أيام منها، وكان ذلك بعد أن وثقت فى أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، حيث رفع الثائرون شعار: «الشعب يريد إسقاط النظام».
لم يكن للثورة قائد، وبالرغم من أننا دفعنا ثمن ذلك باهظا، حيث لم يكن هناك جدول مطروح فى اليوم التالى لتنحى مبارك، أقول بالرغم من ذلك فإن هناك من رأى أن عدم وجود قيادة هو ميزة فى حد ذاته، لأن الثورة ستفرز قيادتها فيما بعد، غير أن واقع الحال قاد إلى أن جماعة الإخوان كقوة تنظيمية هائلة حصدت وحدها المكاسب فى انتخابات مجلس الشعب والرئاسة.
كانت الجماعة تفعل كل ما يحقق لها المكاسب، وكانت القوى الثورية التى شاركت فى الثورة تزداد فى تفرقها، ومارست فى ذاك خطابا ثوريا احتوى على قدر عالٍ من الاستعلاء، تمثل لدى قطاع منهم فى إنكار حقائق نضال الحركة الوطنية المصرية منذ سنوات طويلة، ووصل الحد ببعضهم إلى التعامل بجهل كبير مع ثورة 23 يوليو 1952، وأنكروها كحلقة وطنية فى تاريخ النضال المصرى، وأحدثوا فرقعات لا لزوم لها بوضع ثورة 25 يناير فى تضاد مع ثورة يوليو، وقالوا فى ذلك براهين سفيهة من قبيل، أن يوليو «حركة جيش»، أما «يناير» فهى ثورة شعب، كان هؤلاء يفعلون ذلك بجهل كبير بطبيعة الشعب المصرى الذى استفاد من منجزات ثورة يوليو، ورفع صور جمال عبدالناصر أثناء ثورة يناير، ولا يزال يرفعها حتى الآن.
كان هذا واحدا من الأخطاء التى وقع فيها الثوار والتى دلت على مراهقة سياسية وفكرية، وأحدثت مع غيرها من الممارسات الأخرى تباعدا بينهم وبين الشعب المصرى، وفى نفس الوقت كانت جماعة الإخوان تجلس تصطاد فى «الماء العكر»، حيث تقدم نفسها إلى الشعب المصرى بوصفها المنقذ، وبأنها تملك البرنامج الذى يؤهلها للحكم، واستخدمت فى ذلك أساليب، تصدر «شيطنة الثوار»، حتى لا يكونوا البديل الصحيح والمطلوب، وبالإضافة إلى ذلك إذا فهمنا أنه لم يكن هناك أحزاب منظمة ذات قيمة، فسنصل إلى أن «حرق الثوار والأحزاب» كان هدفا إخوانيا دفينا، حتى تلتهم الجماعة الكعكة وحدها كاملة.
لا يعنى ما سبق أن الثورة كانت خطأ، فالشعب المصرى هو الذى قام بها ضد نظام مبارك وصحح مسارها ضد الإخوان فى 30 يونيو.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة