هذا عنوان يمكن أن يكون مناسبًا تمامًا للثورة السورية الآن.. لقد بدأت الثورة السورية كتطور طبيعى جدًا للثورات العربية التى بدأت بتونس، ثم مصر، ثم اليمن، ثم ليبيا، ثم سوريا، وبعيدًا عن أى حديث عن التدخلات الخارجية التى يصل فيها الحديث إلى غايته بالقول إنها هى صانعة الثورات ومحركها، كأنه لم تكن هناك نظم حكم ديكتاتورية، وكأن الشعوب التى لبت الدعوة إلى الثورة هى مجموعة من القلل أو البلاليص لامؤاخذة، يقال لهم تعالوا هنا أو اذهبوا هناك، فيلبّوا الدعوة والنداء، وبعيدًا أيضًا عن أخطاء الحكام التى كان لها إبان الثورات نفسها دور كبير فى تطور الأحداث. وإذا كنا نتفهم تأخر زين العابدين بن على باعتباره التجربة الأولى فى غباء الحكام الذين هبت ضدهم الشعوب، فلقد فعل مبارك مثله، وبرغم أن ثمانية عشر يومًا ليست طويلة فى عمر ثورة شعب كالمصريين، فإنه كان يمكنه الاستجابة إلى الميادين منذ 25 يناير بإقالة وزير الداخلية أو حتى الوزارة كلها التى لم تكن غير مجموعة من الموظفين عند لجنة السياسات. تأخر بدوره، ومع كل خطبه تكون الثورة قد سبقتها وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه. بعده أصيب على عبدالله صالح وأخذوه فى المملكة العربية السعودية للعلاج، وأذكر يومها أننى كتبت هنا مقالًا بعنوان «هربان ومخلوع ومتعور.. وبعدين» ألمحت فيه إلى إمكانية قتل الزعيم الليبى أو الرئيس السورى أو فعل الفحشاء فى التالى فى الدور من الحكام.. بعدها فُعل بالقذافى الشيئان، القتل وقلة الأدب معا! كانت ليبيا هى بداية التدخل الخارجى السافر بقرار من مجلس الأمن.. طال الوقت وبدأت جماعات الإخوان فى تونس ومصر تجنى ثمار ثورة لم يصنعوها.. الإخوان فى تونس أكثر انفتاحًا على الحضارة الغربية بحكم التاريخ، والتعاملات التى لم تنقطع حتى الآن مع الثقافة الغربية، ومن ثم وصلوا إلى الحكم بسهولة باعتبار أنهم لن يغيروا كثيرًا من مكتسبات الحرية الشخصية التى عرفتها تونس.
لكن ركب الوضع بسرعة نوع من السلفيين المتخلفين، وصرنا نسمع عن هجمات على المعارض الفنية والمسارح والأدباء واغتيالات لرموز اليسار أو الليبرالية.. تفتح الشباك للتيارات الدينية تدخل من الباب، عادة تاريخية وخاصية الطوائف فى كل زمان.
سوريا كانت الأبعد، لم يحظر نظامها الإخوان، وترك لهم حرية الحركة فى الشارع كما حدث فى مصر، المحظور فى سوريا محظور ياحبيبى، وليس الحظر كلامًا مرسلًا.. تاريخ النظام السورى عامة وحزب البعث خاصة يقول ذلك، لكن مادام الإخوان ركبوا الثورة فى تونس ومصر فليحاولوا ركوبها فى سوريا.. طبعًا لن أتحدث عن المحاولات فى ليبيا التى لم تنجح لأسباب كثيرة، على رأسها أن من حملوا السلاح كانوا من الشباب البعيد عن هذه التيارات الدينية، وهم مستعدون أن يواجهوا أى سلاح بسلاح فقد تعلموا.
والأهم أن الذين ثاروا على معمر القذافى وضعوا شعارات الثورتين المصرية والتونسية أمامهم.. تبقى سوريا التى رأى الإخوان المسلمون أن نجاحهم فى مصر يدفعهم للإسراع فى خطف الثورة السورية، تساعدهم دول عربية إحداها تشجع الإخوان مثل قطر، والأخرى تشجع الإخوان لأنها على عداء مع النظام السورى فقط، وتخلت عنهم فى مصر مثلا. ذهبت الفصائل الجهادية إلى سوريا، ويمكن جدًا كما جرى فى مصر أثناء المجلس العسكرى الأول من ترك للإخوان وفتح الأبواب لهم والاستجابة لمليونياتهم أن يكون النظام السورى قد فعل ذلك ليرى الشعب السورى آثام وجرائم هذه الجماعات ويجربها. يمكن أن يكون فعل ذلك مطمئنًا أنه فى النهاية سيقضى عليها، ومطمئنًا أنه فى النهاية تناصره دول كبرى مثل روسيا والصين. وحتى إذا كان الشعب السورى الآن يدفع ثمن جرائم النظام القديم وجرائم هذه الميليشيات التى تسمى نفسها بجبهة النصرة، وغير ذلك، فهذا لا يهم النظام السورى الذى هو بالفعل غير قادر على إغلاق الأبواب التى انفتحت، وساهم هو فى فتحها، لكن من ناحية أخرى تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.. نفوذ الإخوان فى مصر يزول وفى تونس يهتز.
والأهم هو فى مصر، فما يحدث هنا يكون له التأثير الأكبر على العالم العربى، وفى عصر الإنترنت يمكن أن تضيف وعلى العالم، فشعارات الثورة المصرية صارت شعارات لكثير من الانتفاضات والمظاهرات فى العالم حتى فى إسرائيل ذات مرة. وهكذا يواجه الإخوان المسلمون فى سوريا والجماعات الجهادية الإرهابية الآن مأزقًا، وهو أن الشعب السورى الذى بدأ الثورة كتطور طبيعى لما يحدث حوله يدرك الآن أن هناك أيادى خارجية تريد له أن يعيد التجربة المصرية والتونسية فى الوقت الذى يراها تفشل، وفى الوقت الذى يرى أمامه تصرفات هؤلاء الجهاديين فى البلاد التى يستولون عليها من رجم وقتل ووحشية باسم الإسلام.. تتراجع الفصائل الحقيقية السورية عن المشهد شيئًا فشيئًا الآن، ليس لقوة الميليشيات الجهادية، ولا لأن الوطن سيخرج من حكم كارثى إلى الكارثة نفسها، لكن لأن الفصائل الإرهابية ومن يساندها يريدون أن يكون المشهد لهم وحدهم، يعنى من الآن نحن ونحن فقط.. على الناحية الأخرى النظام مطمئن أنه باق، ولن تستطيع هذه الجماعات الاستمرار برغم أى دعم، فظهيرها التاريخى انهار فى مصر.. تجمدت الثورة السورية بسبب تسرع الإخوان المسلمون والجماعات الجهادية فى قطف الثمرة السورية قبل أن تينع، ليس كما فعل الإخوان فى مصر الذين انتظروا أن يفعل الثورة غيرهم، كيف يكونون كذلك وقد وصلت تنظيماتهم إلى الحكم فى بلدين؟ لم يكونوا يدركون أن ظهيرهم ستنكسر ظهره.
والآن ينتظر الشعب السورى فى سوريا، وفى المنافى فى كل الدنيا نهاية للثورة التى تجمدت.. النظام السورى ينتظر السقوط النهائى للإخوان المسلمين كعقيدة ومذهب، بعد أن سقطوا كحكم فى مصر، والعالم يتفرج.. أمريكا التى كانت تود تمامًا أن ينجح الإخوان فى إسقاط النظام السورى فى حيص بيص بعد ما جرى فى مصر، أما تركيا فيكفى ما فيها من اضطرابات ضد أردوغان، فبرغم أنه رجل علمانى، أيد الإخوان المسلمين فى مصر، ليس حبًا فى السلام لكن حبًا فى إعادة نفوذ الإمبراطورية العثمانية، وشجعه على ذلك نظام مستعد للعمالة لأى جهة مادامت تثبت أقدامه فى مصر. هكذا وصلنا إلى أنه لا الإخوان والجهاديون فى سوريا قادرون على إنهاء المشهد، ولا فصائل الثورة الحقيقية، ولا من يؤيدهم، ولا النظام، ولا من يؤيده، سينتهى النظام السورى طبعًا، سيحكم الإخوان.. لا، سينتهون أولًا فى مصر وتونس، أو فى مصر فقط، ستأخذ الثورة السورية أول تطور جديد لها حين يتم انتخاب أول رئيس فى مصر!