الحاكم أو الحكم المتسلط لفترة طويلة يترك أثره على المحكومين والمعارضين فيما يشبه العدوى، وهو ما يسميه عالم الاجتماع الدكتور مصطفى حجازى «التماهى بالمتسلط»، حيث يكون ضحية التسلط هو الآخر متسلطا بدرجة ما، وعبر نيلسون مانديلا عن ذلك بقوله «إن الظلم يسلب كلا من الظالم والمظلوم حريته».
نقول هذا بمناسبة ما يجرى خلال ثلاث سنوات بعد ثورة يناير، التى أفرزت أنواعا مختلفة من الديكتاتوريات، بعضهاـ للمفارقةـ تشكل باسم الحرية والديمقراطية، حيث عين عددا ممن تصدروا الصورة أنفسهم كزعماء للثورة، ومتحدثين باسمها، ولم يعترف بعضهم بالتجربة والصواب والخطأ، وأحيانا قدم نظريات واقتراحات فشلت ولم يعترفوا بالمسؤولية وظلوا يصرون على نفس الأفكار التى قادت إلى الفشل.
ويبدو أن عدوى التسلط تسربت من نظام مبارك لمعارضيه، وكانت الأحزاب تتهم نظام مبارك بالتضييق عليها، بينما كانت تعانى من تسلط القيادات التقليدية والشللية، التى دمرتها، وبعد سقوط الحزب الوطنى لم تظهر لهذه الأحزاب كرامة، وبدا أنها تساقطت مع الحزب الوطنى.
وحتى الأحزاب التى ظهرت بعد الثورة، لم تصل إلى مستوى المنافسة أو الحصول على ثقة الشارع، وبعضها يعانى من تسلط القيادات سواء الشابة أو الوسيطة، وحتى القيادات التى ظهرت كمعارضة جذرية أو سياسية فى الفضائيات، عجزت عن تكوين أحزاب أو تنظيمات سياسية تعبر عن فكرة التغيير، وعجزوا عن تقديم خطاب مقنع، بعيدا عن الكلام المجانى الساخن الذى يخلو من بدائل.
عدوى التسلط انتشرت بدرجات متفاوتة بين نجوم الثورة ممن تصدروا المشهد كقيادات ثورية أو نشيطة، وعجزوا عن تطبيق مطالبهم فى الديمقراطية والعدالة مع خصومهم، وحتى هذه اللحظة هناك من يتحدث عن حرمانية الدم، لكنه يتجاهل دماء الطرف الآخر. ووقع بعض كبار النشطاء فى فخاخ تخوين الآخرين ولم ينجحوا فى الفصل بين رفض التسلط، والتهاون مع الإرهاب كتهديد واقعى للدولة.
ويتعصب بعضهم لرأى واحد، رافضا التراجع أو افتراض خطأ وجهة نظره، ومن أجل أن يبرهن على صحة رأيه، يرى ضرورة أن يهزم أو يسب مخالفيه، بل يهاجم الشعب الذى يفترض أنه الجمهور المفترض لسعيه السياسى.
رأينا فى الاستفتاء الأخير على الدستور، والاستفتاء السابق، من يتهم الشعب بأنه مغيب وفاشل وفاقد للأهلية لمجرد أنه صوت على عكس رأى التيار الفلانى، ووصل الأمر لاختراع تحليلات تزعم أن من صوتوا فى الاستفتاءات هم العواجيز، بينما قاطع الشباب وهو ما كذبته الوقائع، وتنتقل عدوى التسلط إلى ما بين النشطاء وبعضهم والأهم هو درجة المزايدة التى تضاعفت ونقلت الجدل بعيدا عن الأصل والهدف، وكلها أخطاء يفترض الانتباه إليها إذا كان هناك من يريد تصحيح المسار، بعد أن تجاوزنا نقاش «الثورة والثورة المضادة»، إلى «التسلط والتسلط المضاد».