هكذا يرى الأمريكان أنفسهم.. شعب يتعرض لابتزاز التجار واليهود أصحاب رؤوس الأموال الضخمة ويتحكمون فى طعام الشعب الأمريكى الذى يتعرض لكابوس بدلا من «الحلم الأمريكى» الذى كانوا يلونونه له فى الإعلام الطاغى بألوان قوس قزح، الشعب الأمريكى الذى يسقط دائما تحت عجلات الغلاء مع تضاؤل ما تصرفه لأفراده حكومات الولايات الأمريكية من دولارات البطالة وإعانات الضمان الاجتماعى، وكيف تنهار كل قيم المجتمع المتمدن، حتى ينتهى الأمر بهذا الشعب إلى أن ينهش بعضه لدرجة أكل أفراده لبعضهم أحياء»، هذا ما تجسده رواية الوضوء «Ablutions» للكاتب الأمريكى الشاب باتريك ديويت التى تحكى لنا عن رجل يدخل أحد البارات ليسكر ثم يدخل بارا آخر ثم بارا ثالثا، ويكرر ذلك كثيرا وهو مستمر فى شرب الخمر، حيث يبدأ الزبائن السكارى فى البار الأخير فى أكل جسده، هذا هو المحور الأساسى لرواية «الوضوء» للكاتب الشاب باتريك ديويت الذى لا يتجاوز سنه الاثنين والثلاثين عاما.
أثارت الرواية زوابع نقدية كثيرة واعتبرها بعض النقاد أنها رواية مظلمة واستفزازية، ويعتبر نقاد آخرون أن مؤلفها لم يقصد أن تكون روايته ممتعة أو محبوبة أو حتى مجرد «رواية جميلة» لكنه - مؤلف الرواية - تعمد أن تكون «رواية قبيحة» مع سبق الإصرار والترصد، لقد غامر مؤلف «الوضوء» مغامرة حقيقية فى اختياره شكل ومضمون روايته «الوضوء»، فهو من البداية يدعو قراءه للمقاومة، ليس لبطل الرواية اسم محدد وليس للمدينة التى يعيش فيها اسم، وليس للبارات التى يسكر فيها اسم، إنه «أنت» الذى يعيش فى أمريكا، إلا أنه من الواضح أن المؤلف يقدم نفسه كبطل للرواية بدون أن يصرح علنا بذلك، فبطل الرواية شخصية رائعة، وهو مثقف بشكل جيد وحازم فى كيفية السكر العنيف بواسطة البيرة وليس الويسكى، على اعتبار أن البيرة هى «المشروب الوطنى» لأمريكا، ربما لأنه رغم صغر سنه فهو مصاب بالتهاب فى كبده، إنه شخص يكره نفسه، ويقدم كراهيته للجميع فى شاعرية مؤلمة، فهو يحب مصادقة المومسات ومدمنى الكوكايين وكل الرجال المتعبين مثل الخيول التى تجر المحاريث.
رواية «الوضوء» هى رواية عن كل ما هو صعب ووحشى وعدائى فى المجتمع الأمريكى، إنها رواية عن الاشتياق واللوعة والعزلة وعن صعوبة الشرط الإنسانى للحياة، عن الأمريكى الشاحب الذى يحلم بشروق الشمس بينما يسرقه الآخرون، فبطل الرواية عندما يقرر الهرب من زوجته التى يشك فى خيانتها له ومن المدينة التى يعيش فيها باحثا عن نوع ما من الخلاص، حيث يقرر التوجه شرقا إلى أريزونا فإنه يصدم بتعدد الزوجات الذى يمارس فى الخفاء ومن خلف ظهر القانون فى مدينة كولورادو التى تعيش على مسابقات رعاة البقر «الروديو»، حيث يجد بطل الرواية نفسه فى مكان نصف مألوف، يشبه ما كان يعرفه، فيندفع للخلاص بالسكر وبالحبوب المخدرة التى يقدمها له الجميع بيسر وسهولة، ويجد الناس دائما هناك يجلسون أمام كؤوسهم باستقامة الطيور القبيحة المتكورة على أنفسها، حيث عيونهم المبللة بالخمر وهم يتحدثون إلى كؤوسهم فى همس ذليل فيما يبدو عليهم أنهم يشتمون أحدا ما، ويخاطبه الراوى دائما: «أنت لن تعرف حقيقة كل هؤلاء البشر، رواية «الوضوء» رواية فضائحية، قاسية، عذبة، منحازة ومجابهة، لكاتب شاب، عن شاب، هو نفسه كاتب الرواية فى الغالب، فى مجتمع فاسد يجد نفسه والسكارى يأكلون جسده حيا، فهل يجد باتريك ديويت مؤلف الراوية نفسه ونقاد أمريكا يأكلون جسده حيا فى روايته الأولى؟
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد برقوق
رائع ..
مقال رائع و شوقتنى جدا لقراءة الكتاب .