هناك جدل أخلاقى وسياسى حول مشروعية التسريبات، لأن بعضها قد يكشف حقائق أو معلومات تساعد فى وقف السباق النووى أو احترام الحريات الشخصية، مثل ما قام به موردخاى فعنونو أحد الفنيين فى مفاعل ديمونة، عندما نشر صور وتفاصيل صناعة الأسلحة النووية الإسرائيلية، ومثل ما قدمه الجندى الأمريكى برادلى ماننج من وثائق لموقع ويكليكس، ومؤخرا قام سنودين بدافع من ضميره - كما قال - ومن أجل حماية الحريات الأساسية للناس بالكشف عن برامج التجسس الأمريكية على هواتف وإميلات ملايين المشتركين، بما فى ذلك زعماء دول حليفة لواشنطن.
عبر التاريخ هناك تسريبات ساعدت البشرية على التقدم وحماية الحريات، لذلك اعتبرت أعمالا بطولية، لأن أصحابها لم يتقاضوا أموالا ولم ينتظروا شهرة، وإنما قدم بعضهم للمحاكمة، وصدرت بحقهم أحكام قاسية بالسجن، لأنهم من وجهة النظر القانونية وربما الوطنية خانوا بلادهم ولم يلتزموا بسرية المعلومات التى تفرضها عليهم مقتضيات الوظيفة الحكومية أو العمل فى القوات المسلحة. هذه النوعية من التسريبات النبيلة عرفتها مصر حيث قدم كثير من أصحاب الضمائر الوطنية معلومات عن وقائع فساد أو انتهاكات لحقوق الإنسان، ومعظم هذه الحالات لم يكشف أصحابها عن شخصياتهم، لكن ما قدموه من معلومات أوقف كثيرا من العبث بمقدرات الوطن ومنها قضية الأسلحة الفاسدة فى حرب 1948، وهضبة الأهرام، وبيع بعض شركات القطاع العام وغيرها من الأمثلة.
فى مقابل التسريبات المفيدة هناك تسريبات فضائحية وتشهيرية بامتياز فى مصر والعالم، لا هدف لها سوى اغتيال الخصم وشيطنة الآخر، والغريب أن النوعية الفضائحية قد تنقلب على أصحابها وتكشف عن سطحية وهطل وربما هبل الجهات التى تقف وراءها! ومن أمثلة التسريبات الفضائحية ما سربته بعض الأجهزة فى عصر مبارك ضد رجل دين مسيحى، وضد أحد رجال الأعمال وراقصة مشهورة، يومها لم تشارك القنوات التليفزيونية فى بث التسريبات، ولم تكن وسائل التواصل الاجتماعى معروفة، ومع ذلك انتشرت بين الناس بسرعة فما حدث كان جديدا ومثيرا وأصاب البعض بالصدمة من تدهور أداء مؤسسات الدولة ووصولها إلى هذا المستوى المتدنى أخلاقيا وأمنيا، الذى يهدد الوحدة الوطنية ومكانة رجال الدين مسلمين ومسيحيين.
ويبدو أن الطبعة الجديدة من التسريبات الفضائحية على الطريقة المصرية قد ظهرت فى بعض برامج التليفزيون ومواقع الإنترنت وبلاغ الأبلة فاهيتا، وهى بكل المقاييس تختلف تماما عن التسريبات المفيدة لأنها لا تقدم كل الحقيقة، وتجرى وراء الشهرة والمال، وتستغل مشاعر البسطاء ومخاوفهم من المؤامرة الخارجية والطابور الخامس، وتنشر الهطل والعبط فى التفكير الذى يقوم على منطق زائف يدعى أن كل دول العالم تتآمر ضد مصر وتستغل الإخوان والإرهاب، وتعمل من خلال الشفرة السرية فى إعلان الأبلة فاهيتا على تخريب وتقسيم الوطن.
التسريبات المصرية هذه المرة بطعم الفضيحة وأتمنى أن يبادر العقلاء فى الحكم الانتقالى بوقف كل هذا العبط والهطل الذى يسىء للجميع ويهدد الحريات الشخصية، وإذا كان هناك عملاء ومتآمرون فلا بد من تقديمهم للمحاكمة أولا، ولا داعى لتشويههم واغتيالهم معنويا، فالمتهم برىء حتى تثبت إدانته، وأعتقد أن هذه التسريبات الفضائحية تسىء إلى الأجهزة الأمنية التى أظن أنها مصدر تلك التسجيلات، كما تسىء أيضا إلى بعض القنوات التى تحولت إلى منصات لإطلاق الاتهامات بلا رقيب، وإصدار الأحكام بالوطنية والخيانة، وانتهاك الحريات الخاصة وبث تسجيلات لمكالمات هاتفية يجرم القانون تسجيلها وبثها.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
هاني محمد
بلاش فلسفة وتخليط الموصوعات على بعض
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح المصري
شكرا
مقال رائع