أكبر جريمة ترتكبها حركة 6 إبريل فى حق نفسها، أنها لم تفهم المزاج العام للشعب المصرى ولم تحاول، ذلك أن أية حركة ثورية عليها فى المقام الأول أن تدرس طبيعة الحالة النفسية للشعب الذى تستهدف تثويره، وتطمع فى إشعال غضبه من أجل أن يتفاعل معها ويستجيب لدعواتها بالخروج والتظاهر، ورفع رايات الاحتجاج والعصيان المدنى إذا لزم الأمر.
لن أناقش حكاية التسجيلات المسربة التى أذاعها الإعلامى الدكتور عبد الرحيم على عن بعض أعضاء الحركة ومكالماتهم التليفونية، ولن أفتح الباب للجدل حول الأهداف السرية للحركة أو مدى صحة تلقيها أموالاً من الخارج أو أو.. فتلك قضايا تحقق فيها النيابة العامة، ولكنى سأسائل قيادات الحركة وأعضائها عن الأخطاء السياسية الفادحة التى ارتكبوها فى حق أنفسهم وحركتهم، والتى تتمحور كلها حول الجهل التام بطبيعة المزاج النفسى للجماهير المصرية وتحولاته السريعة فى ظرف ثلاث سنوات فقط.
أجل.. التفت الحشود حول الحركة فى البداية واستجاب لها ولغيرها الملايين من الشعب حين دعت الناس للخروج فى 25 يناير 2011.
وقد حقق هذا الخروج الشعبى الكثيف بشكل يومى النجاح المأمول، وهو طرد مبارك من عرين الرئاسة، فى ذلك الوقت كان المصريون قد وصلوا إلى الذروة فى اليأس من مبارك ونظامه وأسرته، وكان المزاج العام للشعب ينتظر من يشجعه ويحرضه على التظاهر بالملايين، فالتقت أهداف 6 أبريل مع هذا المزاج الشعبى الغاضب والناقم، فنجحت الحركة وصار شبابها من نجوم المجتمع المبجلين فى ظرف أيام قليلة، وطارت أسماء هؤلاء الشباب وصورهم فى سموات مصر والعالم.
الآن، وبعد ثلاثة أعوام من التظاهر والاحتجاج ومطاردة الأحلام وخيبة الأمل فى مرسى وإخوانه، وصل الناس إلى ما يمكن أن أسميه "الإنهاك الثوري"، خاصة أن الأشهر الأخيرة شهدت غدرًا من جماعات الإرهاب، فاضطر الملايين إلى اللجوء للجيش ليحميهم بوصفه المؤسسة الصلبة الباقية من مؤسسات الدولة التى تعرضت للاهتراء، والناس هنا معها الحق كله فى طلب الحماية من الجيش ضد العنف والغدر والإرهاب، وقبل أى شيء ضد تدمير الدولة المدنية التى كانت جماعة الإخوان تعمل على ذلك ليل نهار حين استولت على السلطة فى لحظة غفلة منا.
هنا بالضبط تغير المزاج الشعبى للملايين تغيرًا تمامًا عما كان، وأصبحوا يبحثون عن لحظة استقرار وأمان، حتى لو تنازلوا مؤقتًا عن بعض أحلامهم فى الحرية والعدالة، فما حققناه فى مائتى عام لا يمكن أن يسقط تحت أحذية تجار الدين وأصحاب اللحى المخيفة عملاء القرن الثامن عشر بوصفه أحد أكثر القرون تخلفًا بالنسبة لنا، وعليه سيذهب الناس بالملايين إلى صناديق الاستفتاء على الدستور ويوافقوا عليه حتى لو كانت لهم ملاحظة على مادة هنا أو هناك، لأنه بداية الانطلاق نحو مجتمع آمن ومستقر، فى حين أن جهل حركة 6 إبريل بمزاج الناس جعلهم يعلنون رفضهم للدستور، ويرفضون ترشح الفريق عبد الفتاح السيسى للرئاسة برغم أن شعبيته جارفة والناس تناديه!
لقد كان قادة الثورات الكبرى فى القرن العشرين يلحون على ضرورة قراءة المزاج النفسى للجماهير قراءة دقيقة، ومن يراجع كتابات لينين وماو وهوشى منه وحتى الخومينى يتأكد من ذلك، فما من ثورة ناجحة بدون جماهير، وبالتالى على الحركات الثورية أن تقيس المزاج العام لهذه الجماهير وتبدلاته بميزان بالغ الحساسية، وإلا فقدت البوصلة فى التواصل مع تلك الجماهير.
يا شباب 6 إبريل ويا حركة الثوريين الاشتراكيين ويا كل من يحلم بوطن أكثر حرية وعدلاً وجمالاً.. لا تتوقفوا لحظة عن تأمل المزاج العام للجماهير لتتحركوا فى ضوئه، وإلا بارت بضاعتكم الثورية وانفضت عنكم الجموع، وصارت اللعنات تلاحقكم فى الشارع وفى الفضائيات وفى المواقع الإلكترونية، بينما الذهول يعترى وجهوكم والحيرة تنهش عقولكم!