تزاحم المرضى فى العيادة، سيدات ورجال، يا إلهى كل هؤلاء مرضى بالقلب؟! ولما لا؟ فالوطن موجوع، شهداء ودماء وضحايا، تعددت الأحاديث لتخطى ملل الانتظار، كانت تجلس بجوارى سيدة جميلة، ممشوقة، يرتسم على جبينها مصب النهر فى البحر، وجنتاها كدلتا النيل، وأنفها الفرعونى يذكرنى بجداريات بنى حسن، جدة لثلاثة أحفاد، جمعنا المرض والقلق والانتظار، اسمها «إيزيس»، تبادلنا أطراف الحديث، توقفت كثيرا أمام قرية دير جبل الطير، و«تجريدة» الشرطة، وكأم سألت عن المحبوسين.. طمأنتها أن اليوم الثلاثاء جلسة النظر فى حبسهم.. تمتمت لهم بالدعاء بالحرية، تنهدت، وتطرق الحديث عن الترحيب بالرئيس السيسى فى نيويورك، تداخلت فى الحديث مريضة أخرى، سألت هل نعيش فى دولة قانون؟ ردت ثالثة: «اصبروا على الريس»، كنت أتأمل وجه إيزيس محدثتى.. وأتذكر كيف جمعت إيزيس الإلهة أشلاء «أوزريس» بعد أن مزقه «ست»، حزن دفين فى عيون محدثتى، ودموع إيزيس الأم يفيض بها النهر، تطفو أشلاء أوزوريس.. تنظر إيزيس بجوارى فى الساعة، تسأل متى سيأتى الدكتور، يولد حورس من إخصاب أشلاء أوزوريس، نتبادل رؤية صور أحفادنا، أستنشق عبق مصر فى الحديث، تليفزيون العيادة يبث استقبال السيسى الحافل، نعود إلى جبل الطير.. أتذكر العذراء والطفل «يسوع» وكيف لاذ بهذه القرية من ألفى عام تقريبا، لست أدرى لماذا شعرت بسلام غريب حينما عرفت أن السيدة إيزيس كما أخبرها الطبيب ليست مريضة.. مجرد قلق ويعدى.. تداخلت الصور فى مخيلتى، إيزيس محدثتى ذات الجمال الشامخ.. ليست مريضة وإيزيس الإلهة جمعت أشلاء مصر فى 30 يونيو وولد حورس، وأجهز على ست الشرير الإخوانى.. تداخلت الصورة مرة أخرى إيزيس التى عانت كثيرا لحماية ابنها حورس من شر ست، هاربة بين الأحراش من بطش ست، كما العذراء حملت رضيعها وهربت إلى مصر هربا من بطش هيرودس، تلك التداخلات فى الصور المجمعة من عصور وحضارات وثقافات مختلفة التى تظهر أن الشر يسود فى مرحلة من المراحل، ترى أتعيش مصر تلك المرحلة؟ ابتسامة إيزيس ينفتح لها أسارير نهر قلبى الموجوع، أتت إلى ذهنى صورة المسيح وحيدا فى البستان يقول: «من يرفع عنى مر هذه الكأس»، بريق حزين يشع من عينى محدثتى، ينفذ إلى داخلى، يا إلهى ألا يوجد بارقة أمل؟ التلفزيون يبث نبأ الإفراج عن المتهمين فى جبل الطير، ينقشع بعض الحزن من عيون إيزيس، ويفيض نهر عينيها بنور العذراء والرجاء فى السلام والحرية.. استسلم لهذا البريق وتفيض نهر دموعى.