تشهد مراكز الدراسات الغربية جدلاً حول مظاهر ودوافع وتفسيرات لتصاعد المشاعر الوطنية بشتى أنحاء العالم خاصة بالشرق الأوسط، رغم التوقعات السابقة بتراجعها لصالح عصر العولمة والمواطن الكونى وبلورة عالم جديد يتجاوز الحدود لتصبح فيه الشؤون الخاصة بالأمم وهويتها وسيادتها، أمورًا عفا عليها الزمن كالسيوف والدروع، لكن حدث العكس تمامًا.
لم تتوقف المسألة على المنطقة التى طالما كانت «حقل تجارب» للسياسات والحروب والصراعات، لكنها امتدت لتنامى مشاعر انفصال أسكتلندا، وارتفاع الأصوات اليمينية بدول الاتحاد الأوروبى، ومساعى روسيا لاستعادة إمبراطوريتها، والنجاح الانتخابى للقومية الهندوسية بالهند، والتعصب القومى العدوانى المتبادل بين الصين واليابان.
ويؤكد أنصار «الدولة الوطنية» أنها المظلة الجامعة لمواطنيها بتنوع مشاربهم السياسية والدينية والطائفية وغيرها، خاصة وسط مناخ دولى وإقليمى محتقن يهيئ الأجواء لإعادة رسم الخرائط على أسس طائفية وعرقية، مما يستدعى اصطفاف أبنائها لمواجهة المخاطر، واستدعاء «الثوابت الوطنية» لتنصهر ببوتقة واحدة، للتصدى لمخططات تجاوزت «نظريات المؤامرة» بعدما أصبحت واقعًا تكابده دول المنطقة. ويخلص الباحثون لضرورة التمييز بين «الدولة الوطنية المدنية» و«القوميات العرقية والطائفية»، معتبرين أميركا تجسيدًا للدولة الوطنية المدنية بإعلائها «فكرة الأمة» التى يمثلها الهيكل الدستورى، والثقافة السياسية المشتركة، والمُنفتحة للمهاجرين الجدد دون النظر لجنسهم ومعتقداتهم ليندمجوا بالمجتمع، بينما تتجسد القومية العرقية على أسس دينية وطائفية لكونها إقصائية بطبيعتها، وتنظر للآخرين باعتبارهم أعداء. وتبدو نتائج دراسات مراكز البحوث الغربية مُناقضة لسياساتها بالشرق الأوسط، فتُزكى الطائفية بين السُنّة والشيعة، والعرب والأكراد، ناهيك عن المسلمين والمسيحيين، فالصراعات والحروب المُستعرة، بما فيها «الحملة الدولية» على تنظيم «داعش» ستؤدى حتمًا بنهاية المطاف لخرائط جديدة عنوانها الطائفية والعرقية والدينية.
وحينما نتحدث عن العراق وسوريا واليمن والسودان فالتقسيم أصبح «واقعًا سياسيًا» ستُعمقه «حرب الدواعش» التى ستفرز كياناتٍ جديدةً كدولة للأكراد، ولن يتعايش «الحوثيون» باليمن مع «القاعدة» وبقية مكونات المجتمع، وستتراجع الدولة الوطنية لصالح «دويلات القبائل والطوائف»، لتُفضى النتيجة إلى «سايكس بيكو ثانية» ستُنهى النظام العربى لصالح كيانات عرقية وطائفية، وتنظيمات إرهابية عابرة للحدود. هناك أزمة أخرى يُشكلها «فائض الدواعش»، فبعد نجاح العمليات العسكرية بطردهم من المناطق التى سيطروا عليها، فليست هناك خطط للتعامل معهم، وإذا كانت الدول الأوروبية تتوجس حيال عودة مواطنيها «الدواعش»، فماذا عن آلاف القادمين من دول المنطقة التى ستجد نفسها أمام موجة جديدة من العمليات الإرهابية، يعلم الله وحده مداها ونتائجها.