«الكاتب» الذى يطلق على نفسه «نيوتن» مغرم بكتابة التاريخ بالمقاس، مغرم بكتابته من حيث الرواية التى تنتصر دائما لأصحاب «الجيوب العامرة»، وتسخر من أصحاب «الجيوب الخاوية»، هو يرى الحالتين من زاوية أن هذا قدر ونصيب، ومن يبحث عن سبل الفكاك فهو ضد الأوضاع الطبيعية.
هو يذوب حبا وعشقا فى «مبارك والسادات»، ويكره بامتياز «جمال عبدالناصر»، وهذا حقه، لكنه حين يفعل ذلك، لا يحق له أن يتحدث مثلا عن «التصالح مع التاريخ»، هو كتب أمس مقاله بعنوان: «جمال عبدالناصر رضى الله عنه»، المقال يفتقر إلى أى موضوعية فى تناول التاريخ، يبخ سموما فى حق جمال عبدالناصر، ويتحدث عن حسنى مبارك بوصفه «أول من بدأ مشوار العبور، وتحمل أمانة استكماله بعد اغتيال البطل»، وهذا رأى يتحمله هو، صحيح أن مبارك كان من أبطال حرب أكتوبر، لكن «أمانة الاستكمال»، لو كانت فى أيد أمينة بالفعل، لما خرج المصريون فى ثورة يوم 25 يناير، لو كانت فى أيد أمينة، لما نخر سوس الفساد فى جسد مصر، فأكل حق المصريين فى أن يعيشوا بعد الحرب حياة كريمة، يعالج فيها المريض عبر نظام صحى صحيح، ويتعلم فيها الطالب فى منظومة تعليم متطور يصحح نفسه كل يوم، ويتساوى فيها الجميع أمام القانون، ويجد الخريج فرصة عمل طبقا لكفاءته وليس عبر الوساطة التى غزت كل شىء.
أى أمانة استكملها «مبارك»؟، هل هى فى تزوير الانتخابات بما يعنى احتقار المصريين؟، هل هى فى أكبر عملية نهب منظم عرفتها مصر باسم الخصخصة؟، هل هى فى توزيع أراضى مصر على المحاسيب بأبخث الأثمان، ثم تسقيعها وبيعها بالمليارات؟، وفى مقالات سابقة لـ«نيوتن» تساءل ما ذنب هؤلاء، إذا كانوا هم اشتروا المصانع والأراضى بالقانون؟، لكنه لم يطالب مثلا بمحاسبة الذين وفروا البيئة القانونية لعمليات النهب هذه، وبالطبع فإن المسؤول عنها هو مبارك.
أى أمانة تلك التى استكملها مبارك، ويتحدث عنها «نيوتن» بكل فخر، حين خلع مبارك بدلته العسكرية، وأصبح نائبا ثم رئيسا، يستوجب النظر إلى تاريخه بالفصل بين هذا وذاك.
فى عنفوان غضب «نيوتن» على جمال عبدالناصر، قال تعبيرا لافتا هو: «أصبحت ما تسمى حرب الاستنزاف هى صانعة النصر»، فلنلاحظ تعبيره: «ما تسمى حرب الاستنزاف»، هو تعبير استنكارى، كما أنه يضع حرب الاستنزاف بين قوسين فى دلالة منه على تصغيرها، وهو بذلك لا يفرق بين «كره جمال عبدالناصر» و«شرف العسكرية المصرية» التى كانت حرب الاستنزاف إحدى تجلياتها، وسقط فيها شهداء وقدم فيها الجيش المصرى أعظم التضحيات.
هو لا يستمع فى ذلك إلا لصوته، ويتجاهل صوت كبار القادة العسكريين الذين يؤكدون على أنها الحرب التى مهدت بحق لانتصارات أكتوبر، كما يتوحد مع الرؤية الإسرائيلية التى لا تريد أن تتذكر هذه الحرب وتعمل جاهدة على إسقاطها من الذاكرة العربية.
كتب الرائع محمود عوض كتابه المهم «اليوم السابع - الحرب المستحيلة حرب الاستنزاف»، أدعو نيوتن إلى قراءته، برغبة التعلم لا التشفى.