منذ 41 عاما والمصريون يحتفلون بنصر أكتوبر كما يحتفلون بالأعياد والمواسم. ذكرى نصر أكتوبر ليست ذكرى رسمية تحتفل بها أجهزة الدولة، بل هى مناسبة شعبية، يجتمع فيها المواطنون بأسرهم ليشاهدوا على التلفاز تقارير عن حرب أكتوبر، ينتظرون معلومات جديدة قد تسربها المخابرات أو القوات المسلحة، يستمعون فيها إلى الأغنيات الوطنية التى ارتبطت بهذه المناسبة، يحكى الكبير فيها للصغير عن ذكريات الحرب، وقت أن كان الكبير هذا طفلا يقف فى الشرفة ثم سمع الناس وهم يزغردون ويصخبون ويقولون انتصرنا، أو وقت أن عاد الجد من الحرب بملابس الجندية وأهل الشارع يرحبون به، يسأل الشباب والصغار: وإيه كمان؟ فيقول أحد العجائز الذى لابد أن يكون شارك فى الحرب، إنه رأى ملائكة، وإن زميله عبر فوق الألغام، وإنه أمسك بإسرائيلى وأوسعه ضربا حتى جاء الضابط وخلص الإسرائيلى من يده وهو ينهره ويذكره بأنه أسير، وأن المواطنين المصريين وقفوا فى محطة مصر ينتظرون القطار الذى يحمل الأسرى الإسرائيليين، وما إن رأوا أسرى العدو حتى صفقوا تصفيقا حادا، فيسأل الشباب والصغار عن سر التصفيق، فيجيب العجوز بأن المصريين شعب متحضر لا يشمت وهو منتصر، وإنما يؤدى التحية لمقاتل أسير، حتى وإن كان من قوات العدو، فتدمع عيون الشباب والصغار وتقشعر أبدانهم، تتحلق الأسرة لمشاهدة أفلام صنعت فى عجالة، برداءة شديدة، عن نصر أكتوبر، لكنها، وبالرغم من رداءتها، تحرك مشاعر الأسرة، ويدق قلب كل من فى البيت لمشهد العبور، وذلك الشاب الذى ركض يرفع علم مصر على أرض سيناء، ثم يسقط شهيدا.
لا يوجد بيت فى مصر لا يتابع فيلم بدور، والرصاصة لا تزال فى جيبى، وأبناء الصمت، والعمر لحظة، لا يوجد شاب أو طفل ممن لم يحضروا الحرب لا يحفظ مقاطع كاملة من هذه الأفلام، ويبكى وهو يغنى: وأنا على الربابة باغنى.كان فى السابق، قبل أن يدب الشقاق القاتل فى المجتمع المصرى، تنفر عروق كل مصرى حين يسمع أحد المحللين وهو يقول، إن حرب أكتوبر لم تنته بنصر مصر، وإن فكرة النصر كانت خديعة سوقتها القوات المسلحة، هذا الكلام بالتحديد كان خطا أحمر، يختلف المصريون قدر ما يختلفون، فى الدين، أو السياسة، أو الانتماء، أو الطبقات الاجتماعية، لكنهم يجمعون على الرغبة العارمة فى خنق كل من تسول له نفسه التشكيك فى نصر أكتوبر.
يعلم الجميع أن التجنيد فى مصر إجبارى، وبصرف النظر عن رأيك فى فكرة التجنيد الإجبارى وجدواها، فإن استدعاء المواطنين الواجب عليهم أداء الخدمة العسكرية إلى الحرب، أمر جعل كل بيت فى مصر يشعر بأنه مساهم فى الجيش ومن ثم فى نصر أكتوبر، لذلك فمن العبث الحديث عن أن نصر أكتوبر هو ملك لفئة معينة أو جهة معينة، أو مؤسسة معينة.
بعد أن استخدم الناس «الله» فى صراعاتهم السياسية: ربنا معايا أنا.. لا يا روح خالتك ده معايا أنا، ليس من المستغرب أن يستخدم الناس أعز مناسبة وطنية على المصريين لتصفية حساباتهم السياسية! فيقول مؤيد الإخوان، الذى لابد أن يكون له خال أو جد أو أب أو عم شارك فى حرب أكتوبر، وقد يكون استشهد فيها، بأن نصر أكتوبر أكذوبة، ويقول مؤيد السيسى بأن نصر أكتوبر ملك للمؤسسة العسكرية وعلى الإخوان «الخونة» أن يبتعدوا فهم ليسوا جزءاً منه!
الله رب الجميع، ونصر أكتوبر نصر المصريين، وكل من يحمل الجنسية المصرية هو جزء من هذا النصر.. وكفاية نجاسة بجى على رأى شكرى سرحان.