يسرا محمد سلامة تكتب: الفرصة الأخيرة

فى مصر فقط، يحدث أن يتم التعامل مع الأنثى على أساس ارتباطها من عدمه، فالبنت التى لا يتم زواجها فى مقتبل عمرها، تكون فى نظر المجتمع عديمة الفائدة ولا قيمة لها، وبسبب هذه النظرة الغريبة – بل الغبية – لهن، قامت بعض السيدات بالتخلص من حياتهن رغم أنهن يشغلن مناصب علمية وعملية رفيعة.

ولا أدرى إلى متى سيظل ينظر المجتمع إلى هؤلاء السيدات بهذا الشكل، فجملة أن "المرأة نصف المجتمع"، تصل فى هذه الحالة إلى أدنى مستوى لها ولا تُمثل أي أهمية، والأسوأ من ذلك أن البنت داخل أسرتها يكون لها نصيب من تلك النظرة أيضًا، وتظل الدعوات وكلمة "عقبالك" تتردد على مسامعها لدرجة تجعلها إما تكره فكرة الزواج من الأساس، أو أن تُقدم على عمل جنونى بزواجها من أول شخص يطرق بابها وينتهى هذا الزواج بمأساة الطلاق بعد حدوث مشاكل عدة، نتيجة لعدم التوافق بين الطرفين من البداية، لمجرد أن تتخلص من سماع هذه الكلمات، والتى يُعد وقعها فى حقيقة الأمر على نفسها كالصاعقة، لعدم معرفتها ما الذى يمكن أن تُقدمه من أجل أن تتزوج بسرعة، أو ما إذا كان العيب فيها فعلاً، أو فى الأشخاص الذين يتقدمون لها.

وتظل هكذا فى حيرة من أمرها، حتى تصل فى بعض الأوقات إلى درجة الجنون، أو أن تتخلص من حياتها حتى تُريح وتستريح، والسؤال الآن لماذا تتحمل البنت العبء الأكبر؟، ولماذا لا يتحمل الرجل جزء من هذه النظرة – على اعتبار الجملة المشهورة "هما الرجالة اتعمت ولا إيه" – طيب لما هما اتعموا البنات ذنبها إيه؟!.

وإحقاقًا للحق، فالظروف الاقتصادية تُساهم بشكل كبير فى ظاهرة العنوسة للشباب والفتيات على حدٍ سواء، لكن المشكلة فى المعتقدات الفكرية المتوارثة، والتى تُلقى بتهمة العنوسة على كاهل البنت، دون مراعاة لظروفها النفسية – التى هى فى الأصل تحمل همًا، لأن حلم كل فتاة الزواج وتكوين أسرة – أو لما حققته فى حياتها من إنجازات علمية وعملية قد تشفع لها مع تأخر زواجها.

وهنا يجب على المجتمع أن يُدرك جيدًا أن الزواج رزق كالمال والصحة والعمل، وأن القسمة والنصيب بيد الله سبحانه وتعالى "أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا"، وتآلف القلوب هذا من عنده عز وجل، فماذا نفعل مع هذا الفكر العقيم من عاداتنا وتقاليدنا المتوارثة؟!، وماذا تفعل الفتاة الناجحة فى منصب ما، أو فى مجال علمى، لكن لم يُدركها قطار الزواج؟!!، هل تكتفى بقصة نجاحها فى مجتمعنا هذا، أم يجب عليها أن تُقدم على تصرفات طائشة، حتى تُخرص الألسنة التى تتناقل عدم زواجها بشىء من الحسرة والشفقة، وكأننا محكوم علينا فى هذه الدنيا أن نتزوج - بأى وسيلة - لكى نشعر أننا أحياء، أو أن نموت لكى نتخلص من هذه النظرة البائسة ممن حولنا، فقد أصبح هذا قدرنا ولا مفر منه.