الوهابية كحركة اجتماعية وتجديدية عرفناها ونحن فى مقتبل أعمارنا، فلقد قرأت رسالة كشف الشبهات فى التوحيد، ورسائل أخرى فى مسائل الجاهلية، وكتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد، أخرجت لنا هذه الكتب قضايا عديدة وجدالية منها مثلا العذر بالجهل، بمعنى هل نعذر المسلم الذى يشهد أن لا إله إلا الله بالجهل فى مسائل التوحيد وقضاياه مثل ذهابه مثلا للحسين ودعائه هناك أو طوافه بقبر الحسين أو شد الرحال إليه وغيرها من القضايا، وأذكر أن هناك كتابا له اسمه المسائل المكفرة أى المسائل التى يصبح بها المسلم كافرا. وكما هو معروف فإن محمد بن عبد الوهاب لم يجرؤ على أن يجهر بمذهبه إلا بعد وفاة والده الذى كان فقيها من فقهاء الحنابلة وكان قاضيا ورث هو من بعده مهنة القضاء تلك.
صحيح أن القرن الثامن عشر فى الجزيرة العربية كان يغلب على الناس فيه الجهل والخرافة وإتيان أفعال مناقضة لخالص التوحيد من مثل الاعتقاد فى الأولياء والصالحين، وكانت هناك قضايا أخرى مثل التوسل بالأنبياء والصالحين وحدوده وجوازه، كما كانت هناك قضايا منهجية أخرى مثل مسألة فهم الأدلة والاستغناء بالنصوص وحدها عن التفقه ومعرفة أقوال المذاهب المختلفة فيها. اعتبر ابن عبدالوهاب أن الدار التى يسيطر عليها هو وحليفه ابن سعود هى دار الإسلام التى يجب على كل مسلم أن يهاجر إليها، كما اعتبر امتحان المسلمين فى عقائدهم شرطا لدخولهم للحج، وقد هدم كثيرا من الأبنية مثل غار حراء وبيت أبى بكر وكثيرا من آثار الصحابة لانتفاء معنى التوحيد معها.
اعتبر بن عبدالوهاب أن الدولة العثمانية باعتبارها دولة تتبنى المذهب الحنفى ولا تقيم قضايا التوحيد دولة غير مستحقة للطاعة، وهجم على العراق وهاجم مراقد الشيعة وحرقها، وأثار جدالا مهولا وكبيرا حول مذهبه ورؤيته العقدية الجديدة حتى إن أخاه وكان فقيها اختلف معه وكتب فى الرد عليه، وقد طالعت قائمة لمئة كتاب لعلماء كبار ردوا على ابن عبد الوهاب منهم مثلا الإمام الصنعانى اليمنى صاحب كتاب سبل السلام المشهور فى الفقه. ظهر من بعد فى مصر شكرى مصطفى وقد قرأت كل كتبه فقد كانت مكتوبة بخط اليد ومنها مثلا الحجيات والتوسمات والخلافة وغيرها، وهو هنا يؤسس لمذهب جديد متأثر فيه بمنهج الخوارج الأزارقة، واعتبر المجتمع جاهليا، وكل مؤسساته محرمة بما فى ذلك التعليم والأسرة، فكل المجتمع بأعيانه كفار، وعلى كل مسلم يدخل فى الجماعة أن يهاجر من مجتمعه إلى العالم الجديد بما فى ذلك فتيات تركن منازلهن وذهبن للجماعة، وكان شكرى يرى نفسه إماما يقيم الحجة والأحكام على الناس بما فى ذلك التعزير بالضرب وغيره والحكم بالطلاق. ثم ظهرت بعد شكرى جماعات أخرى تعتبر الدولة مؤسسة معادية للإسلام ومن ثم فهى تدخل ضمن ما أطلق عليه بن تيمية فى زمنه القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين «الطائفة الممتنعة»، وكان يقصد التتار الذين دخلوا للإسلام حديثا ولكنهم اكتفوا من الإسلام فقط بالشهادة دون أى فرائض عملية، وقد كانوا يتحاكمون إلى كتاب اسمه الياسه فيه تعاليم من الوثنية والإسلام وبعض الديانات الآسيوية، وكانوا بالطبع يحاربون المسلمين.
هذه الجماعات كان على رأسها أولا الفنية العسكرية التى قادها صالح سرية وفى كتابه الصغير الذى قرأته حين كنت طالبا فى الجامعة «رسالة الإيمان» تعريفا جديدا لمعنى الإسلام والإيمان والحكم على الأحزاب وقادتها وبعض الأفكار والمبادئ مثل القومية والعلمانية ومن يعتنقها، وهذه الجماعة التى خرجت على السادات والدولة المصرية عام 1974م كانت بداية لجماعات مفاصلة أخرى. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة