لم تكن زيارة المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء لافتتاح الكنيسة المعلقة بمصر القديمة بعد انتهاء تجديدها وترميمها - مجرد احتفالية ثقافية مصرية، بقدر ما هو تتويج لمشروع إنقاذ أثرى عمره يتجاوز قرونا من الأزمان.. واستمر ترميمه ستة عشر عاماً حيث كانت هناك أكثر من أزمة تعرقل العمل وأهمها أزمة المياه الجوفية والتى لم يكن حلها يمكن أن يتم بصورة تقليدية أبداً، نظراً لكثافتها.. فهى تمتد إلى تحت الآثار القبطية والإسلامية واليهودية فى المنطقة على مساحات ممتدة.. ولهذا فكان الحل غير التقليدى هو إقامة أنفاق تحت الأرض لاحتواء هذه المياه الجوفية الضخمة واستمرت شهورا طويلة حتى تم التخلص منها دون أى سلبيات ودون أن تترك أى أزمات فى أساسات هذه الأماكن المقدسة عند المصريين جميعاً.. ولم يتوقف العمل بجدية فى هذه السنوات فى الحفاظ على هذه الآثار والتى تضم أقدم كنيسة فى مصر وأحد أقدم كنائس العالم هى كنيسة السيدة العذراء وأقدم مسجد فى مصر هو مسجد عمرو بن العاص. فى منطقة فريدة تضم هذين الأثرين الإسلامى والمسيحى إلى جانب معبد عزرا اليهودى وكأن أرض مصر دائماً تعطى موعظة للعالم حول وحدتنا الوطنية.
ولكن قبل أن نطوى صفحة فصاحب الفضل فى ترميم هذه الكنيسة هو الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة السابق والذى خطط للعمل على أعلى مستوى وأنقذ ما يمكن إنفاذه وحينما أحس أن الترميم يحتاج إلى خبرات أجنبية لإكماله على أكمل وجه أتى بخبراء من إيطاليا وقد أخلص الرجل، لأنى كنت شاهد عيان على هذه الوقائع بدقة. ولهذا أتمنى أن يواصل المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء بدأبه ونشاطه المعروف متابعة آثار مصر وشوارعها لإنقاذها من التدخل ومحاولات التعديات التى حدثت من غير المخلصين خاصة بعد ثورة 25 يناير.
أتمنى أن يتفقد محلب شارع المعز لدين الله الفاطمى وهو من معالم مصر الإسلامية المهمة الراسخة فى ذاكرة التاريخ الإنسانى.. والحقيقة أنى أحس أننا نعيش فى مصر الآن زمن حصاد حضارى فى محاولة لإنقاذ القاهرة ومصر كلها من حصار العشوائيات وطغيان اللامسؤولية التى كثيراً ما هشمت كل تراثنا الثقافى والفنى وتراجع معها التنسيق الحضارى الذى لم نتمكن من تحقيقه مع سيطرة القبح المعمارى.
وعلى حكومة المهندس محلب دور كبير فى تحطيم هذا القبح وتدنى مستوى الجمال والقضية ليست جمالية فقط بل هى تشير إلى شكل متكامل لحضارتنا التى بدأت معمارياً ذات طابع خاص بين كل حضارات العالم.. ولعل محاولات الأعداء أثناء غزوهم الغاشم لمصر فى تدمير هذا الجمال المعمارى واضح له شواهد. وعلينا الآن إزالة آثار هذا العدون ولعلها أحد مشروعاتنا القومية لإعادة مصر قوية ذات شخصية واضحة المعالم والمزايا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة