بالطبع كان الجندى المصرى هو بطل انتصارات حرب أكتوبر 1973، لكن من الواجب أن نذكر كل الذين ساعدونا ووقفوا إلى جانب قضيتنا، وإذا كان التضامن العربى تجسد بصورة نادرة فى هذه الحرب، فإن هذا هو الموقف الطبيعى، فالحرب ضد إسرائيل لم تكن فقط حربا مصرية أو سورية، وإنما هى حرب عربية، غير أن هناك مواقف دولية كانت إلى جانب مصر وظلت مجهولة، وإذا كانت روسيا هى أكثر الدول التى وقفت إلى جانبنا، فإن الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء الحرب، وأحد أبطالها العظام، يكشف عن موقف كوريا الشمالية.
فى مذكراته يتحدث «الشاذلى» عن كوريا الشمالية التى أمدت مصر بطيارين مقاتلين، ويسرد كيف بدأت هذه المسألة من خلال زيارة لنائب رئيسها إلى مصر، وزيارته إلى الجبهة ومع تبادل الرأى فى الاستعداد للمعركة، تحدث الشاذلى عن متاعبنا بخصوص إعداد الطيارين، وأن لدينا طائرات ميج 21 أكثر مما نستطيع تشغيله، وذلك بعد أن سحب السوفيت 100 طيار كانوا يقومون بتشغيل 75 طائرة، وانتهز الشاذلى الفرصة ليسأل نائب الرئيس الكورى عن إمكانية إمداد مصر بعدد من طيارى «ميج 21»، ودارت العجلة بعد أن وافق الرئيس السادات على الفكرة وسفر الشاذلى إلى العاصمة الكورية «بيونج يانج» للاتفاق على التنفيذ.
فى أوائل يونيو 1973 بدأ الطيارون الكوريون فى الوصول، واكتمل تشكيل السرب الذين يعملون به خلال شهر يوليو، وفى 15 أغسطس أذاع راديو إسرائيل أن هناك طيارين كوريين فى مصر، فاتصل الدكتور أشرف غربال المستشار الصحفى لرئيس الجمهورية بـ«الشاذلى»، وسأله عن صحة الخبر، فأخبره «الشاذلى» أن الخبر صحيح، ولكن إذاعته من عدمه هو قرار سياسى، ولاسيما أن هناك دولة أجنبية «كوريا الشمالية» يجب استطلاع رأيها قبل إعلانه.
يقول الشاذلى، إن التجريدة الكورية إلى مصر كانت من أصغر التجريدات التى أرسلتها دولة إلى دولة صديقة أخرى، فعددهم كان 30 طيارا و8 موجهين جويين، و5 مترجمين و3 عناصر للقيادة والسيطرة وطبيبا وطباخا، وكانت القاعدة التى خدموا فيها تضم 3 آلاف مصرى يديرون شبكات الرادار والدفاع الجوى والدفاع الأرضى عن القاعدة، وجميع الشؤون الإدارية الخاصة بالسرب.
كانت العلاقة بين المصريين والكوريين تسير على أحسن ما يرام، وكان الكوريون بالنسبة لرجالنا شخصيات غريبة، فهم يعتمدون على أنفسهم فى كل شىء، ينظفون أماكن سكنهم بأنفسهم ويشغلون أنفسهم دائما بشىء ما، فأحدهم إما أن يكون فى مهمة تدريبية أو أنه يقوم بالدراسة أو بأعمال رياضية، ليس لديهم وقت للفراغ، وليست لديهم أية متاعب إدارية يشكون منها، ويؤكد الفريق الشاذلى على أنه وقعت اشتباكات بين الطيارين الكوريين والإسرائيليين قبل حرب أكتوبر ووقع الكثير خلال الحرب نفسها.
يقول الشاذلى، إنه يحكى القصة حتى يعرف المصريون كل من وقف معهم وقت الشدة، وأن أمريكا وإسرائيل والاتحاد السوفيتى وقتها «روسيا»، كانوا يعلمون حقائق الدعم الكورى، فالطيارون أثناء تدريبهم اليومى كانوا يتحدثون باللاسلكى باللغة الكورية مع أعضاء التشكيل ومع الموجهين الأرضيين، وفى استطاعة أى مخابرات أجنبية أن تسجل هذه المحادثات.