ما يجرى الآن فى وزارة التربية والتعليم من عملية تصحيح للمسار فى منظومة العملية التعليمية، لا يقل فى أهميته عن تلك الصحوة المجتمعية التى تجرى على أرض مصر من أجل إعادة الهيبة إلى الدولة المصرية وإحياء مقومات الدولة القوية القادرة على أن تتبوأ المكانة التى تليق بها بين شعوب العالم كدولة ذات حضارة وتاريخ عريق.. حيث لا ينبغى بأى حال من الأحوال أن نغفل الجانب التربوى فى العملية التعليمية خاصة ونحن نعيش تلك الحالة من التطلع نحو غد مشرق، فغرس قيم الوطنية والانتماء فى نفوس التلاميذ الصغار هو أحد أهم بل وأبرز السبل التى يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المرجوة على المدى البعيد.
فكلنا نعلم أن تلك الحالة التى تمثلت فى إغفال الجانب التربوى فى العملية التعليمية قد أفرزت حالة الانفلات الأخلاقى التى شهدها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، لذا فإن تلك الخطوات المهمة التى تجرى على قدم وساق الآن من أجل إعادة وزارة التربية والتعليم ككيان تربوى يجمع بين التربية والتعليم كما كان من قبل، تعد بمثابة ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ثورة ضد كل ما هو قبيح فى المجتمع، ثورة لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ثورة من أجل تنشئة أجيال جديدة قادرة على استكمال مسيرة التنمية المجتمعية.
فهناك حكمة تقول «التعليم من الصغر كالنقش على الحجر»، وهى حكمة أراها تعبر بصدق عن الواقع الذى نعيشه، فماذا ننتظر من جيل عاش فى مناخ غير مستقر سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، أعتقد أن ما نراه فى الشارع الآن من مظاهر عنف لم يأت من فراغ وإنما جاء انعكاساً طبيعياً لتلك الفوضى فى العملية التعليمية التى ظلت لسنوات منتشرة بين جدران المدارس، وفى ظل مناهج «محشوة» بالكثير والكثير من المغالطات التاريخية والتى تحض على العنف واستخدام القوة، أليس ما نعيشه الآن من أحداث عنف ما هو إلا نتيجة لتلك الأفكار التى امتلأت بها الكتب وهى أفكار تخدم أهداف ومصالح فئات بعينها.
فالمناهج التعليمية يجب أن تتضمن الأفكار التى تحض على التعايش الصحى بين جميع فئات وطوائف المجتمع.
لذا فإننى أرى أن مهمة تنقية المناهج الدراسية التى يقودها الآن وباقتدار الدكتور محمود أبوالنصر وزير التربية والتعليم مهمة فى غاية الأهمية لأنها وبكل تأكيد سيكون لها عظيم الأثر فى وقف كل ما قد يقود إلى كراهية طرف لآخر، أو الوقوع فى خطيئة تكفيره، أو نبذه وهجره، أو حمل مشاعر غير طيبة حياله، كما حدث خلال الفترة الأخيرة، والتى شهدت الكثير من التشويه المتعمد للمناهج الدراسية، وخاصة فيما يتم تدريسه للتلاميذ الصغار فى المراحل الأولى من التعليم الابتدائى.
كما أننى أعتبر أن ما يقوم به الدكتور محمود أبوالنصر قد جاء فى التوقيت المناسب، حيث تزامن ذلك مع بدء عام دراسى جديد، فقد انتهت الوزارة بالفعل من تنقيح نحو %30 من المناهج والمقررات الدراسية بمختلف مراحل التعليم الأساسية، على أن يتم الانتهاء من تنقية %30 إضافية من المناهج والمقررات الدراسية، فقد أشار الوزير إلى مسألة مهمة فى هذا الصدد وهى أنه خلال 3 سنوات فقط سيتم الانتهاء تماماً من تنقية وتنقيح جميع المناهج والمقررات الدراسية من الحشو، بجانب تطوير المناهج وجعلها ملائمة ومواكبة للتطور التكنولوجى المعاصر، بما يخدم العملية التعليمية، وتخريج طالب كفء لديه القدرة على مواكبة سوق العمل.
والحق يقال فإن الصحوة التى تشهدها الآن وزارة التربية والتعليم لم تقتصر على تنقية وتنقيح المناهج وحسب بل امتدت أيضا إلى تطوير وتحديث المدارس، حيث إنه يوجد لدينا حوالى 627 مدرسة بلا أسوار على مستوى محافظات الجمهورية، تم الانتهاء بالفعل من أعمال الترميم والتطوير لـ«427» مدرسة، بينما تم طرح 100 مدرسة فى مناقصة عامة لترميمها وإنشاء أسوار لها.
ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن منظومة التعليم ليست مقصورة على مبان ومناهج وتلاميذ فقط، فهناك عنصر مهم يسهم بشكل كبير فى سير العملية التعليمية، وهو المدرس الذى تعرض للظلم كثيرا على مدى سنوات سابقة، إلى أن حصل على تكريمه مؤخراً باهتمام الدولة به من خلال توفير متطلباته الأساسية، لذا فإنه فى المقابل يقع عليه العبء الأكبر فى تصحيح مسار التربية والتعليم فى آن واحد بالتنسيق مع المنزل، مما يتطلب منهم الامتناع بتاتا عن مزاولة السياسة والتحدث فى أمور سياسية أو حزبية أو جماعات دينية مع التلاميذ داخل الفصول، والتفرغ فقط للعملية الدراسية والإجادة فى شرح المناهج الدراسية فى المراحل الثلاث حتى يستوعب الطلبة دروسهم باقتدار، وعدم الخوض فى أمور حزبية تبعدهم عن هذه المناهج، وأن يكون دور المدرس إلى جانب شرح المنهج الأسبوعى هو الكشف عن المواهب الكامنة فى نفوس التلاميذ الصغار، وإبرازها، ورعايتها، وتشجيع هذه المواهب سواء كانت فى مجال الأدب أو الشعر أو الموسيقى أو الغناء أو الرسم والرياضة والخطابة وخلافه.. وهو الدور الأساسى لكل مدرس يراعى أصول مهنته، والإسهام فى تنشئة جيل جديد ينتمى لوطنه، ويسهم فى نهضته مستقبلا.
وفى هذا الصدد فإننى أكرر القول بأن إصلاح التعليم فى مصر لن يتم إلا بالاهتمام بأركان العملية التعليمية التى تتمثل فى المعلم والطالب والمدرسة والمناهج، لأن إصلاح التعليم بشكل حقيقى لن يتم إلا بجذب الطلاب إلى المدارس، وجعل المدرسة هدفاً للطالب للوصول إلى ما يبحث عنه لبناء مستقبله وتكوين شخصيته بناء سليماً يحقق طموحاته، وهنا لابد من الإشادة بالقرار الجدير بالاحترام الذى اتخذه وزير التربية والتعليم بجعل العام الدراسى الحالى عام الأنشطة المدرسية التى تتم جنبا إلى جنب العملية التعليمية، فقد قام فى بدء العام الدراسى بالتوجيه إلى وضع الأنشطة التربوية فى خريطة وبرامج التعليم، لما لهذه الأنشطة التربوية من دور عظيم فى تكوين شخصية الطالب، وتهذيبه، وبث روح الانتماء والمواطنة لديه والعمل على ربط الطالب بوطنه وتتيح للطالب حرية الإبداع والابتكار ومعايشة الواقع.
وما يدعو إلى التفاؤل أن نرى هذا العام عودة حصة الرسم، وحصة الموسيقى، وممارسة الطلاب لكل أنواع الرياضة، وهى وبكل أسف أنشطة مهمة اختفت من المدارس لعدة سنوات، وكادت تكون من ذكريات الماضى الجميل حينما نحاول استعادة العصر الذهبى للمدرسة وحينما كانت بحق تحمل شعار «التربية والتعليم»، عندما كان الهدف الأسمى للعملية التعليمية هو بناء جيل من المبدعين والعلماء والمخترعين فى جميع المجالات يشاركون بإيجابية فى قيادة الوطن والعمل على تقدمه نحو مستقبل أفضل.. فالتعليم هو قاطرة الأمم للتقدم، والأنشطة التربوية هى وقود هذه القاطرة من أجل غد مشرق بالعمل والرفاهية للشعوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة