فى الوقت الذى انشغل فيه الشارع المصرى بقرار الرئيس عبدالناصر بالتنحى عقب نكسة 67، كان هناك ضابط آخر يقدم استقالته سرًا بالقوات المسلحة، اعترافًا بالأخطاء التى وقع فيها الجيش.. رفضت القيادة العامة الاستقالة، وتولى الضابط فيما بعد تدريب الجيش الثانى الميدانى، وتدرج فى المناصب حتى أصبح رئيسًا لهيئة عمليات القوات المسلحة وقت أكتوبر،
محققًا النصر الذى حلم به بعد النكسة. رغم دوره الكبير فى حرب أكتوبر، لدرجة أن صنفته المعاهد العسكرية ضمن قائمة أفضل 50 قائدًا عسكريًا، فإنه يعرف نفسه بـ«مقاتل ساهم فى أكتوبر»، وليس «نسر أكتوبر»، أو «صاحب الضربة الجوية»، أو «رأس حربة الجيش»، فقط مقاتل، ليقدم صورة جديدة من صورة التواضع للقائد العسكرى، رغم أنه شارك فى الحرب العالمية الثانية، والعدوان الثلاثى، والاستنزاف، وصولًا إلى المفاوضات الأولى مع الإسرائيلين فى 74 والتى كان يترأس الوفد المصرى فيها.
أنا وأنت عزيزى القارئ فى حضرة البطل محمد عبدالغنى الجمسى، أحد الأعمدة الأساسية لحرب أكتوبر، أحد من لم ينحازوا لأنفسهم فى كتابة التاريخ العسكرى، وينسبوا النصر لمجهودهم فقط. فى مذكراته سطر فى الصفحات الأولى كلمات من نور، تعكس عظمة العقلية العسكرية، قائلًا: «لا أكتب التاريخ العسكرى للحرب، ولا أمتلك وجهة النظر الوحيدة فيها، فقط أسرد وقائعها للخروج بالدروس المستفادة لجيل جديد يستحق أن يعرف».
تأمل الكلمات.. كيف يقول رئيس هيئة العمليات إنه لا يملك الحقيقة كاملة؟.. إذن، من يملكها، وإنت تعرف كل كبيرة وصغيرة، وكل قرار لم يكن يصدر إلا بمعرفتك وبعد موافقتك؟.. ستنتهى إلى تواضع القائد العسكرى، واحترامه آداب كتابة التاريخ، وهى أنك دائمًا تعرض وجهة النظر فقط دون امتلاك الحقيقة الكاملة، ليس ذلك فقط.. مذكرات «الجمسى» التى صدرت فى عهد مبارك كانت الوثيقة التاريخية الأولى التى أنصفت سعدالدين الشاذلى بعد واقعة انهياره يوم 20 أكتوبر التى أوردها الرئيس السادات فى كتابه «البحث عن الذات».
330 كلمة بمقالى اليوم، لا تكفى أبدًا حق «الجمسى»، حق أحد أهم العقول العسكرية فى مصر، أحد أهم من ضحوا لأجل الوطن، وأحد أهم من سجلوا التاريخ العسكرى بحق، لكى يكون درسًا فى المستقبل، فى شهر الانتصارات.. شكرًا سيادة البطل الجمسى.. ولشعبك وأحفادك أن يفتخروا بك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة