لعل الندوة التى ستقيمها مؤسسة جائزة البابطين الثلاثاء المقبل 21 أكتوبر احتفالا بالشعر تعيد بعض البهاء للغتنا العربية التى تلقت مؤخرًا طعنة موجعة حين لم يفز بجائزة نوبل للآداب أحد الذين يكتبون بهذه اللغة، وإنما خطف الجائزة روائى يكتب بالفرنسية، الأمر الذى يؤكد أننا بحاجة إلى مزيد من الجهد اجتماعيًا وثقافيًا لنثبت أننا نمتلك لغة حية قادرة على المنافسة، وأدباء موهوبين يزاحمون أدباء العالم فى الإبداع والتجلى.
هذه المرة ستقيم مؤسسة جائزة البابطين دورتها الرابعة عشر فى مراكش بالمغرب تحت رعاية العاهل المغربى الملك محمد السادس، وهو اختيار موفق، فأهل المغرب كما هو معروف يعشقون الثقافة وينتصرون للإبداع، ليس الآن فحسب بل منذ قرون عديدة، وقائمة المبدعين المغاربة مزودة بكوكبة من ألمع الشعراء والنقاد والروائيين، كما أن المغرب يعد أحد البلدان العربية المهمة التى تربطها وشائج متينة مع الثقافة الأوروبية من جهة، ومع ثقافة أمريكا اللاتينية من جهة ثانية نظرًا لكونها تقع على ساحلى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادئ، ما يؤهل المغرب أن يلعب دورًا بالغ الأهمية فى تعزيز التواصل بين ثقافتنا العربية وثقافات الشعوب الأخرى.
إن اختيار الشاعر «أبوتمام» لتدور حوله الدراسات والأبحاث فى هذه الدورة يثبت ذكاء القائمين على هذه المؤسسة، لأن أبا تمام (803/ 845 ميلادية) يعد أحد المجددين الكبار فى الشعر العربى، إذ استطاع أن يستوعب التطورات السريعة المتلاحقة فى زمنه ويمزجها بموهبته المتدفقة ليخرج لنا شعرًا يتكئ على الحسنيين.. قوة الخيال وحكمة العقل.
اللافت أن أبا تمام ولد بسوريا ورحل فى صباه إلى مصر ثم غادرها إلى بغداد.. أى أنه صال وجال فى العواصم الثلاثة الكبرى فى زمنه، فأثرى تجربته الحياتية وأغنى تأملاته وملاحظاته بأفكار وآراء الكبار الذين التقاهم فى هذه العواصم التليدة.
يحسب لأبى تمام كما يقول العارفون إنه أسهم بنصيب فى تطوير اللغة العربية بأشعاره الحداثية إذا جاز القول، وذلك يعود إلى أمرين.. الأول توسع الدولة الإسلامية وانفتاحها على ثقافات وشعوب ولغات أخرى ما يسمح بإغناء الحضارة العربية وليدة النشأة فى شبه الجزيرة وتطوير لغتها من خلال احتكاكها وتداخلها مع حضارات فارس والعراق وبلاد الشام ومصر، أما الأمر الثانى فيعود إلى الموهبة الخاصة للرجل الذى اجتهد وتأمل وبحث وابتكر، ويقول المؤرخون إنه كان يحفظ أكثر من 14 ألف بيت من الشعر العربى!
إن أهم ما نستطيع اكتسابه من تجربة أبى تمام الفريدة هو أن ندرك أن اللغة ابنة عصرها، ولن تستطيع لغة أن تتطور بانتظام وتعبر بصدق وتنافس بقوة إلا إذا استجابت لمتغيرات زمنها، ولن يحدث ذلك إلا إذا كان المجتمع قويًا سائرًا فى دروب التقدم، وهو ما نفتقده الآن فى عالمنا العربى بكل أسف.
على أى حال.. وجب الشكر لمؤسسة جائزة البابطين ومؤسسها ورئيس مجلس إدارتها الشاعر الكويتى الكبير عبد العزيز سعود البابطين لما يبذلانه طوال ربع قرن من دعم وتعزيز ثقافتنا العربية.