لم أذهب إلى استاد القاهرة لمشاهدة مباراة فى كرة القدم منذ حوالى 20 عامًا، ربما المرة الأخيرة التى شاهدت مباراة فى مدرجات الاستاد العريق أتذكر أنها كانت لمنتخب مصر أيام الكابتن الجوهرى فى إحدى تصفيات كأس الأمم الأفريقية.
يوم الأربعاء الماضى قررت الذهاب للاستاد مع بعض الأصدقاء تحت إلحاح وإصرار ابنى يوسف لتشجيع منتخب مصر فى مباراته ضد منتخب بوتسوانا من على مقاعد الدرجة الثانية. المشهد كان مبهجا رغم الحالة السيئة لمدرجات الاستاد الذى يخضع - كما علمت - للإصلاحات والصيانة فى ظل قرار عدم حضور الجماهير لمباريات الدورى العام بسبب شغب ما يسمى «بالألتراس»، وكأن المدرجات تعلن حزنها الصامت لغياب عشاقها من الجماهير الحقيقية المحبة لكرة القدم.
مشهد الجماهير فى مدرجات استاد القاهرة يوم الأربعاء كان بديعًا ومبهجًا وصورة حقيقية للجماهير المصرية، وليس «للمهاويس والمجانين» الذين اختزلوا صراعهم مع رئيس نادى إلى قضية حياة أو موت وأفسدهم هوى السياسة، وتصوروا أنهم فوق القانون والدولة.
حتى الدقيقة الـ60 تقريبًا من عمر مباراة بوتسوانا كان التشجيع مثاليًا ولم يعكر صفوه شىء والأمن متواجد بشكل مكثف، ولكن لفت انتباهى حشود من الجنود ناحية مدرجات الدرجة الثالثة يسار، رغم خلوها إلى ما بعد الهدف الأول لمنتخب مصر، وفجأة ظهرت مجموعة لا تتجاوز 200 شاب يرفعون لافتات تدل على أنهم «ألتراس زملكاوى» ويرددون هتافات معادية ضد رئيس النادى، وأشعلوا الشماريخ وألقوا بإحداها على جنود الأمن الذى أطلق قنابل صوتية لتفريقهم. الموقف لم يتجاوز أكثر من 4 دقائق تقريبًا حتى انصرفت هذه المجموعة، لكن اللافت أن باقى الجماهير فى المدرجات، التى تجاوز عددها العشرين ألف مشجع، هتفوا وربما لأول مرة ضد «الألتراس» وبصوت مرتفع ملأ أرجاء المدرجات «برة.. برة» «الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة».. ثم علت حناجرهم بالهتاف «مصر.. مصر.. تحيا مصر».
هذه أول مرة منذ ابتلاء التشجيع فى مصر بما يسمى بظاهرة الألتراس فى عام 2006 أو2007 تقريبا أن يهتف الجمهور العادى استنكارًا ورفضًا لسلوك أفراد ليسوا حريصين على مصلحة منتخب مصر، وهو تحول يجب البناء عليه لمواجهة هذه المجموعات واستقطاب العقلاء منهم - إذا وجدوا - لترشيد سلوكهم ومراجعة مواقفهم.