لا شىء يبهج المرء قدر علمه بتأسيس ملتقى ثقافى يشجع الأدباء ويرعى الموهوبين، ذلك أنه لا حل أمام تطور مجتمعاتنا إلا بجعل الثقافة جزءًا أصيلا فى سلوكياتنا وحياتنا، وقبل أيام قليلة دعيت لحضور لقاء مع مجموعة من المبدعين والمثقفين المصريين فى ملتقى «إبداع» الأدبى وهو ملتقى تم تدشينه بالجهود الذاتية على يد الدكتورة هدى عطية أستاذة الأدب والنقد فى جامعة عين شمس، وحين سألتها: «من ينفق على هذا الملتقى؟»، أجابت ببساطة وتلقائية: «أنا»، دون أى غرور أو افتعال، لأنها ترى أن التخلف الذى يحاصرنا من كل الجهات ما كان له أن يحقق هذه «النجاحات البائسة» لو كان المصريون يصادقون الثقافة بشكل أعمق.
الحق.. أننى لم أفاجأ حين تشرفت بالتعرف على نخبة معتبرة من الشعراء والروائيين والكتاب حضروا هذا اللقاء، وعلى رأسهم الأستاذ محمد أمين المدير العام للملتقى، والشاعر المتفرد عبدالله الشوربجى مدير النشر والتوزيع بالملتقى، ذلك لأننى أعلم تمامًا أن مصر تحتشد بالمئات من المبدعين المتميزين، وأن حظوظها وفيرة فى إنجاب أكبر عدد ممكن من الذين أدركتهم حرفة الأدب، لكن المشكلة تكمن فى كيفية توصيل إبداعات هؤلاء إلى الكتلة الكبرى من الشعب المصرى؟
هنا يأتى دور الدولة وأجهزتها الثقافية من ناحية، ودور مؤسسات المجتمع المدنى من ناحية أخرى، وللأسف، فالدولة المصرية عاملت الثقافة باستخفاف إن لم يكن بازدراء وعداوة طوال أربعة عقود على الأقل، والكل يذكر كيف أغلق السادات المجلات الثقافية فى عام 1974، ثم جاء مبارك لتتحول الثقافة فى عهده إلى كرنفالات وصخب وضجيج دون أى أثر يذكر، والدليل أن الأفكار المتشددة لم تنتشر وتستشرى بشكل مرعب إلا فى زمن مبارك، وها هى جماعات التأسلم السياسى تستولى على عقول الشباب وتفسدها، لأن هذه العقول لم تتأسس على منظومة ثقافية مستنيرة ترحب بالاختلاف فى الرأى وتبارك إعمال العقل.
أما المؤسسات الثقافية الخاصة فتواجه مشكلات لا حصر لها، من حيث استمرار التمويل ودوام الحماسة، لذا كلى أمل أن يتمكن مسؤولو ملتقى «إبداع» الأدبى من أداء دورهم بكفاءة وحرية.