فى الأسبوع الماضى كتبت عن أزمة البحوث الإعلامية فى مصر، وأثار المقال ردود أفعال وتعليقات مهمة من زملاء وباحثين شباب، اتصلوا بى هاتفيًا، أو تفاعلوا معى عبر الفيس بوك وتويتر، لمناقشه كثير من أبعاد أزمة الدراسات الإعلامية، والتى لم يتسع لها المقال، وأتصور أن اهتمام جماعة الباحثين فى الإعلام بالموضوع يؤكد أهمية أن تبادر كلية الإعلام بجامعة القاهرة إلى تنظيم عدة ندوات ومؤتمرات لمناقشة تلك الأزمة، وكيفية الخروج منها، وهى - بلا شك- مسؤولية كلية الإعلام، لأنها هى الكلية الأم التى وضعت التقاليد البحثية فى مجال الإعلام.
طرح زملائى أفكارًا ومقترحات بالغة الأهمية، واستفدت منها شخصيًا، لكن لا يتسع المجال لعرضها، لذلك اكتفى بعرض بعض ما ورد فى تعليق أرسله لى زميلى الدكتور رامى عطا، لأنه يكشف عن فضيحة علمية وأخلاقية، ود. رامى باحث إعلامى مميز، وكاتب صحفى، سبح ضد التيار، وانحاز لعشقه للتاريخ، فأنهى رسالته للدكتوراة فى تاريخ الصحافة، ويواصل بحوثه وكتاباته عن تاريخ الفكر والصحافة فى مصر.
يشير د. رامى فى تعليقه إلى غياب روح المبادرة، واقتحام مجال التنظير بقوة، وتقديم نظريات إعلامية جديدة. ويضيف أن هناك أزمة حقيقية فى طريقة الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراة، بمعنى نمطية الإشراف والتفكير، وطرق المعالجة، والرغبة فى تكليف الباحث بما لا يستطيع تحمله، وكأن الباحث هو آخر واحد سوف يطرق هذا الموضوع، بما ينعكس على ضخامة حجم الرسالة، وقضاياها المتشعبة دون تحليل أو تقديم معالجة كافية. ويضيف أن ضعف التمويل، وغياب التواصل الفعّال بين الباحثين، يؤديان إلى غياب أجندة بحثية مصرية، فى مقابل وجود أجندات خاصة بجهات التمويل الخارجية.
وينهى د. رامى عطا تعليقه بفضيحة انتهاك قدسية البحث العلمى على مسمع ومرأى من الجميع، ففى الوقت الذى نتحدث فيه عن قيم الموضوعية والمصداقية والأمانة العلمية فى ممارسات البحث العلمى، فإن هناك مراكز بحثية تعلن صراحة عن قيامها بإعداد الخطط البحثية ورسائل الماجستير والدكتوراة للباحثين من مختلف تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبكل تأكيد فإن الأولوية لمن يدفع أكثر، بالدينار أو بالدولار! وهو أمر يشين المستوى الذى وصل إليه المجتمع المصرى، فمنذ سنوات بعيدة ونحن نسمع عن «فلان» أو «علان» الذى يعد دراسات بحثية لآخرين، ولكن لم نكن نتخيل أن يأتى اليوم الذى يعلن فيه هؤلاء صراحة عن أنفسهم، وعلى هذا الشكل الذى تتحول فيه الدرجة العلمية إلى سلعة يمكن بيعها وشراؤها!
وشخصيًا كنت أعرف أن هذه الخدمة تقدم سرًا فى بعض الجامعات لعدد محدود من الطلبة الأثرياء، خاصة من دول الخليج، وللأسف الشديد فإن وزارة التعليم العالى وجامعاتنا الموقرة تجاهلت هذا التخريب السرى، مما شجع مافيا صناعة الرسائل العلمية للإعلان عن نفسها، ونشر أرقام هواتفها وبريدها الإلكترونى على بعض صفحات الفيس بوك، وبالتالى لابد من سرعة تحرك وزارة التعليم العالى لملاحقة هذا النشاط غير الشرعى الذى يفتقر إلى القيم والأخلاق، وتقوم به مجموعات من «الأرزقية» الذين يؤسسون مراكز بحوث وهمية لصناعة وبيع رسائل الماجستير والدكتوراة وبحوث الترقية فى تخصصات غريبة، مثل التاريخ، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والإدارة، بل فى القانون والفقه والشريعة! وهناك من يقول إن الظاهرة انتقلت للطب والهندسة والصيدلة، لأن بعض المشاهير فى تلك التخصصات لا وقت لديهم للبحث العلمى، فيشترون تلك الخدمة من الداخل وأحيانًا من الخارج!