حين يتحدث مسؤول فى نظام مبارك عن أن الرئيس المخلوع كان على خلاف مع أمريكا، فهذا يعنى أنه يستغفل المصريين الذين يعرفون أن العلاقة بين مصر وأمريكا طوال حكم مبارك كانت علاقة تبعية، وليس معنى الخلاف بين الطرفين فى تفصيلة ما، أنهما كانا على خلاف جذرى فى التوجهات السياسية والمصلحية.
وحين يتحدث أحمد أبوالغيط آخر وزير خارجية لمصر قبل ثورة 25 يناير عن أن التجهيز لثورة 25 يناير بدأ منذ عام 2005 التى شهدت خلافات بين أمريكا ومبارك، فهذا يعنى أننا أمام مسؤول ينطبق عليه قول «شاهد مشفش حاجة»، ومعنى كلامه هذا أنه لم يعى أبدا كل التفاعلات الداخلية التى كانت تنمو يوما بعد يوم ضد مبارك ونظامه، فليس من المعقول أن الاحتجاجات الشعبية ضد الغلاء والفقر والظلم والفساد التى تزايدت فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، كانت تتم بأوامر من أمريكا لأنها اختلفت مع مبارك عام 2005، وليس من المعقول أن المصريين كانوا يذوبون عشقا وحبا فى الحزب الوطنى الحاكم بكل فساده، حتى جاءت أمريكا وصنعت كراهية المصريين له.
وليس من المعقول أن المصريين كانوا يشجعون مبارك ونظامه على الفساد، حتى جاءت أمريكا ونبهتهم أن هذا لا يجوز بسبب خلافها مع مبارك فى عام 2005، وليس من المعقول أن المصريين لم يكونوا يعرفون أن نظام مبارك يزور الانتخابات جهارا نهارا، حتى جاءت أمريكا لتقول لهم إن هناك تزويرا يتم وأنتم لا تعرفون، وهناك مئات الأمثلة يمكن ذكرها فى هذا السياق، وجميعها تؤكد أن المصريين كان اليأس بلغ بهم مبلغه من مبارك ونظامه فأذهلوا العالم بما فعلوه فى ثورتهم النبيلة.
لم يكن هناك خلاف له قيمة بين مبارك وأمريكا، فمبارك كان حليفها فى كل شىء، حليفها فى إسقاط نظام صدام حسين مما ترتب عليه كل المساوئ التى نراها الآن فى العراق والمنطقة، حليفها فى النهج الاقتصادى الذى رتب للخصخصة بكل ما حملته من سلب ونهب لثروات المصريين، حليفها فيما فعلته بالقضية الفلسطينية، حليفها فى كل نهج إقليمى يجعل منها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فى كل قضايا المنطقة.
فى سياق هذه التبعية المؤكد أن هناك خلافات كانت تحدث فى بعض القضايا، لكنها لم تكن خلافات قائمة على الندية، ولم يكن الغرض منها محاولة الفكاك من الحلف الأمريكى، ولم يكن الغرض منها العودة الى معانى ومفاهيم الاستقلال الوطنى التى سادت فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وإنما كانت مجرد سحب عابرة، كانت قرصة الودن من واشنطن كافية لتعديل كل شىء، وبالتالى لا يمكن تصديق ما ذهب إليه «أبو الغيط » بأن أمريكا جهزت لثورة 25 يناير من عام 2005 لأن هذا العام شهد خلافات بين الطرفين.
مشكلة أحمد أبوالغيط وغيره من أركان نظام مبارك، أنهم لا يصدقون أبدا أن الشعب المصرى ثار ضد نظام فاسد، وأن التبعية لأمريكا كانت أصلا لهذا الفساد، وبالتالى كانت الثورة ضد التبعية والفساد معا، ولا أسبقية لواحدة منهما على الأخرى. ومهما بلغت أمريكا من قوتها ونفوذها، لا تستطيع أبدا تحريك الشعب المصرى فى ثورة شعبية مهيبة مثلما حدث فى 25 يناير.