المفارقات هى الشعار الأهم فى حياة الجنرال سعد الدين الشاذلى بعد أكتوبر، فبينما مصر تحتفل بذكرى النصر من كل عام، كان دينامو الحرب لاجئا سياسيا فى الجزائر محروما من وطنه طيلة 14 عاما، وبينما تمنح الدولة النياشين والأوسمة لأبطال المعركة، كان قائد الأبطال مجردا من الأوسمة، يعيش بلا نيشان أو شهادة تقدير، وبينما تتصدر صور قادة هيئة العمليات بانوراما أكتوبر، كانت صورة العقل المدبر غائبة عن المشهد بقصد من القيادة السياسية، وبينما يكتب كل المؤرخين فى العالم عن عظمة العقلية العسكرية للشاذلى، كان السادات يحمله مسؤولية الثغرة فى مذكرات «البحث عن الذات» ويصفه بأنه كان منهارا يوم 20 أكتوبر بعد عودته من الجبهة، وعندما يحاول الجنرال الدفاع عن نفسه بكتابة مذكراته عن أكتوبر، تواجهه الدولة بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وبدلا من أن تضع الدولة مذكراته فى دار الكتب باعتبارها أهم شهادة توثق العبور، كانت محكمة عسكرية تصدر حكما بسجنه، وعندما أعلن عودته لأرض الوطن، وعقله يراوده بأن مصر التى قاد جيوشها ضد العدو لن تنفذ الحكم ضده، كان رجال الأمن ينتظرونه بالمطار ليس للترحيب ببطل عسكرى، ولكن لترحيله إلى السجن الحربى ليقضى فيه 570 يوما خلف الأسوار.
نموذج الشاذلى هو أكبر دليل على تأثير «المشاكل الشخصية» بين القادة العسكريين على «تاريخ الدول»، فالخلاف الفكرى والعسكرى بين الرئيس السادات والشاذلى ترتب عليه استبعاد الشاذلى من موقعه بالجيش، وترتب عليه فيما بعد مهاجمة الشاذلى لاتفاقية السلام، وتزايد الأمر فى النهاية إلى استبعاد دور الشاذلى تماما من نصر أكتوبر كأنه لم يكن، فضلا عن أن الصراع لم ينته بوفاة السادات وامتد لحكم مبارك، ومع تصاعد صوت الضربة الجوية وتأثيرها فى تحقيق النصر مع احتفالات كل عام، تزايد التهميش التام للجنرال الشاذلى، وأصبحت أى محاولة لإظهار دور الشاذلى فى أكتوبر كأنها «عيب وغلط وحرام»، ويكفى ما ذكره اللواء سمير فرج أنه وقت أن كان رئيسا للشؤون المعنوية للقوات المسلحة، طلب من المشير طنطاوى التسجيل مع الشاذلى، فرفض المشير بدعوى أن «مبارك هيزعل والتصوير هيعمل مشاكل»، ثم بعد ذلك وافق المشير ولكن بشرط التسجيل دون إخبار أحد، فتحرك سمير فرج ومعه فريق تصوير يحملون كاميرا واحدة فقط للتسجيل مع الشاذلى وكأنه تسجيل «سرقة» وليس تسجيل شهادة للتاريخ وللوطن من قائد النصر.
متأخرا، أنصف التاريخ الفريق الشاذلى، وقدر الشعب تضحياته وكانت المفارقة، أن وفاته تزامنت مع سقوط مبارك، وأدى الآلاف من شباب مصر النقى صلاة الجنازة عليه بميدان التحرير، وفى السنوات الثلاث بعد الثورة يتكرر اسمه بقوة مع كل احتفال سنوى بأكتوبر، وأصبحت مذكراته أحد أهم المراجع الأساسية لعبقرية العبور.
سيادة الفريق الشاذلى، ضحيت من أجل الوطن، وقدمت المزيد، وتحملت المزيد.. الآن من حق أبنائك وأحفادك أن يفخروا بك.
انطلاقا من ضرورة إعادة الحق لأكتوبر ورجاله، وإعادة الحق للنصر العظيم وفى محاولة للحفاظ على التاريخ من السرقة، أخصص هذه المساحة يوميا على مدار شهر أكتوبر لكتابة قصص أبطال معركة أكتوبر، تخليدا لذكراهم. أدعو القارئ الكريم أن يشاركنى الكتابة ويرسل لى قصص أبطال تستحق أن تخرج للنور.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين
مع احترامنا لشخص/الجنرال البطل الا ان كلامة وكتابة اعطى فرصة لاعدائنا بانكار هزيمتهم فى 1973
عدد الردود 0
بواسطة:
خالد
صحافة واعلام اسرائيل اخذت الكثير من كلام كتاب الشاذلى كحجة ضد مصر لإنكار هزيمتهم بالكذب
عدد الردود 0
بواسطة:
الجزائر
وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند
عدد الردود 0
بواسطة:
طـــــــــارق
رد علــــــــــــــــى تعلـــــــــــــــــيق 1 و 2
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الفتاح
غباء السادات