لا أعرف بالضبط من القائل (فى الأسفار خمس فوائد/ هناك من يقول إنه الإمام الشافعى)، لكنى موقن أنه رجل بالغ الذكاء يتمتع بحساسية رهيفة، فالسفر يجدد الحياة ويفتح الباب واسعًا أمام المرء ليرى ويتأمل ويستمتع ويتعلم.
اللافت أن كل العظماء الذين أثروا البشرية بأفكارهم وآرائهم وإبداعاتهم كان لهم مع السفر نصيب، فالأنبياء غادروا أوطانهم حين اشتد عليهم الظلم وطال النكد، ورسولنا الكريم هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عندما بلغت قسوة كبار قريش حدًا غير محتمل واستحلوا العند والمناكفة، وعبدالناصر ونهرو وغاندى ولينين وماو وديجول.. كل هؤلاء القادة فى القرن العشرين رحلوا مضطرين عن أوطانهم، أما الأدباء والفنانون فيمكن القول إنه ما من مبدع متفرد إلا وتربطه بالسفر علاقة متينة ومتميزة، باستثناء نجيب محفوظ الذى لم يغادر مصر إلا مضطرًا ولفترة محدودة.
أجمل ما يمنحه السفر للإنسان أنه يحرره من أسر العادة والمألوف، وينتشله من رتابة الروتين اليومى وفجاجة التكرار، فيجد نفسه أمام بشر آخرين ولغة/ لهجة مختلفة، وطقس مغاير، ومنظومة معمارية متباينة، فينفعل بما يراه إذا كان من أصحاب العقل المتأمل.
حتى فنون الطهى ولائحة المأكولات تتغير من بلد إلى بلد، والذين يتعاملون مع الطعام بمزاج سيكتشفون ألوانا جديدة من هذا الطعام! لكن أخطر ما يهبه السفر للإنسان أنه يوضح له أن كوكبنا يتسع لكل الجنسيات والأفكار والآراء، وأنه ما أحد يمتلك الحقيقة وحده، وأن سحر البشرية فى تنوعها وتعددها، وأنه لا يمكن لفكرة واحدة أو رأى محدد أن يسيطر على جميع سكان الكوكب، فيمتثلون له ويؤمنون به!
بالنسبة لى فقد وهبتنى المقادير نعمة السفر إلى نحو 16 دولة وعشرات المدن، وهى حصيلة أشكر الرحمن عليها، وهأنذا الآن فى طريقى إلى مراكش بالمغرب، لحضور احتفالية مؤسسة البابطين بالشعر والشعراء، وأسعد بصحبة الدكتور المجتهد محمد مصطفى أبوشوارب مساعد الأمين العام للمؤسسة لشؤون البحوث والنشر، والكاتب الصحفى الكبير مصطفى عبدالله رئيس تحرير أخبار الأدب الأسبق ونخبة من مثقفى العرب، فأهلا بالمغرب ومثقفيها ومبدعيها وشعبها الطيب والكريم.