«من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» «من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم»، هل يمكن أن يتم إرغام أو إكراه أو ترهيب شخص ما على أن يؤمن بدين أو أن يعتقد عقيدة دون إيمان بهذا الدين أو بغير قناعة بتلك العقيدة؟ لا شك أن هذا عمليا لا يمكن. حيث إنه فى الغالب الأعم أن الإيمان بالدين يكون موروثا من الآباء والأجداد. وإذا لم يتحول هذا الموروث إلى إيمان حقيقى بجوهر الدين والتعرف على مقاصده والقناعة بمبادئه والتمسك بقيمه، وذلك من خلال التعرف ثم الممارسة الحياتية لهذا الدين بإيمان كامل وقناعة تامة. هنا يكون الدين الموروث والإيمان المتواتر جزءا من ميراث اجتماعى عائلى يهتم بالمظهر ويترك الجوهر، يعلى الشكل التدينى وينسى الإيمان الموضوعى، أما التحول من دين إلى دين آخر فهذا يعنى التعرف والدراسة التامة للدين الموروث، ثم التعرف والدراسة والإيمان بالدين الآخر الذى قرر الشخص بمحض إرادته التحول إليه دون ترغيب أو ترهيب، حيث إن الإيمان بالله عن طريق أى دين هو قمة الترغيب، ويعطى المؤمن قوة تفوق أى ترهيب. وعلى ذلك لا يوجد البتة ما يسمى بخطف أحد بهدف إجباره على اعتناق دين آخر غير الدين الذى يعتنقه ويؤمن به، ولكن ما يحدث على أرض الواقع، وذلك من خلال عشرات الحالات التى تدخلت فيها شخصيا، وكانت الحجة هى الخطف، ثبت ويثبت دائما أن العملية هى اختفاء وليس اختطاف، وهذا الاختفاء إما بسبب إيمان حقيقى دون إكراه بالدين الجديد، أو أن يكون بسبب قصة حب بين طرف مسلم وآخر مسيحى لا يجدان غير عملية الاختفاء.
هنا لا يجد الطرف المسيحى غير التحجج بالخطف بهدف الأسلمة، وذلك حفاظا على حفظ ماء الوجه الاجتماعى أكثر من الدينى، حيث إن عملية الاختفاء مع شخص مخالف للدين عار اجتماعى، سواء كان مسلما أو مسيحيا، بل الاختفاء مع شخص من نفس الدين دون رغبة ومباركة الأهل أيضا عار اجتماعى. وفى حالة اختفاء مسيحية نرى تدخل الكنيسة الذى يحول القضية منذ البداية إلى قضية طائفية بامتياز، وكأن هذه السيدة باختفائها ستهدد المسيحية والمسيحيين، مع العلم أن هذه قضية اجتماعية وأمنية فى المقام الأول. فإذا كان الشخص قد تحول إلى الإسلام بمحض إرادته الحرة فهذا حق له يخوله الدستور والقانون وحقوق الإنسان، بل الأديان ذاتها، أما إذا كانت حالة اختطاف قصرى وجبرى لأى هدف كان سواء أسلمة أو غير ذلك بغير إرادة المختطف فهذه جريمة بكل المقاييس، وهى مسئولية النظام والأمن مع أهل المختطف دون تدخل من الكنيسة، فهى ليست وصية على أحد، ولا هى حامية لأحد، بل تدخلها يزيد الأمور احتقانا واشتعالا.
وأخيرا وليس آخرا، هناك قضية سيدة جبل الطير، قيل إنها اختطفت بهدف الأسلمة، وحدث احتكاك بين أهل القرية وبين الشرطة لا يخلو من شبهة طائفية بين الطرفين ومن الطرفين. فذهب أهل السيدة إلى وزير الداخلية ومعهم أسقف، ولا نعلم لماذا ذهب معهم وبأى صفة. أبلغهم الوزير أن السيدة لم تختطف، ولكنها أعلنت إسلامها فى الأزهر وبإرادتها. وكان ما كان، ففوجئ الجميع بعودة السيدة إلى قريتها تحت ستار أنها اختطفت وأنها لم تشهر إسلامها وما زالت وستظل مسيحية تلك العبارات المكررة مع سابقاتها. وهنا الخطر الحقيقى الذى ما زال يهدد سلامة الوطن بتواطؤ من النظام والكنيسة، فإما أنها اختطفت عنوة وهنا لابد من محاسبة ومحاكمة من اختطفها. وإما أنها لم تخطف وأعلنت إسلامها بإرادتها فلابد من إعلان وتأكيد ذلك بلا مواربة. فالتستر والتدليس الدائم لا يفيد. فالوطن وسلامته أهم مليون مرة من أى شخص. والمسيحية والإسلام أكبر من ذهاب وتحول الملايين. فلابد من معالجة هذه المشاكل بعيدا عن الإطار الطائفى، وكفى لعبا بمصير الوطن.