كنت تشعر دائما أنه على عجل، حتى وهو منكب على «موضوع» تعرف أنه يحتاج وقتا طويلا، أنت تعرف أنه أكثرنا حماسا وأكثرنا سخرية، ستكون محظوظا إذا عملت بجوار محمد حمدى، اختلف معه فى السياسة كما شئت، ولكنك لن تضعه فى قائمة الخصوم، لأنه لم يتربح من آرائه، كان يسخر دائما من الذين يتحدثون عن المهنية فى الصحافة، أولئك الذين يتربصون بالشغيلة ولا يفعلون شيئا، دارس الآثار النقى رحل قبل أيام وأخذ معه الأيام الحلوة الغزيرة التى عملنا فيها معا، كان يملك قدرة هائلة على الاختزال، جملة قصيرة ورشيقة وتصل إلى الهدف من أقصر طريق.
لا يكتب فى موضوع لا يعرف فيه، ولم ينصب نفسه حكيما، لم يتورط فى المؤامرات التى تحكم مهنة الصحافة، هو يعمل عند القارئ الذى يدفع له راتبه، ستكون مطمئنا وهو يعيد صياغة ما ارتجله الآخرون، لم يدع بطولة ولم يزاحم أحدا على غنيمة، أصدقاؤه السودانيون واليمنيون يسترشدون برأيه وهم يكتبون عن بلديهما، بالإضافة إلى كونه واحدا من أفضل صحفيى الديسك فى جيلنا، لأنه كان يحب المهنة وينشد التجويد، تاريخه المهنى يشير إليه، منذ بداياته فى جريدة الشعب قبل أن يسطو عليها رجال الدين، أنت أمام شخص جاد صادق يقدر قيمة العمل والاختلاف، فى شهور مرضه الأخيرة لم يتوقف عن العمل والإبداع بيد واحدة فى ديسك الأهرام، كان مقبلا على الحياة رغم كل شىء، ولم يتخل عن ابتسامته العذبة التى كانت تسبقه وهو مقبل عليك، رحمة الله عليك يا صديقى.