التركيبة العجيبة فى مصر، تسمح بأن يصف الدستور ما حدث فى 25 يناير بأنه ثورة، وأن يؤكد الرئيس فى كل خطاب له على ذلك، بينما يردد الإعلام الذى يقول إنه مؤيد للرئيس أن 25 يناير مؤامرة! حتى بلغ بأحد الإعلاميين، الذى يتقاضى 4 ملايين جنيه سنويا، بأن يتهم ثوار 25 يناير بأنهم «كانوا عايزين يقلبوا نظام الحكم»! كانوا؟ يا نهار أسود ومنيل.. هو ما اتقلبش؟ فماذا يفعل مبارك فى قفص الاتهام إذن؟ وكيف وصل الرئيس السيسى إلى الرئاسة بالانتخاب إن لم يكن قد تم بالفعل قلب نظام الحكم؟ وماذا تكون الثورة إن لم تكن قلبا لنظام الحكم؟
كل تحرك ضد السلطة يسمى ثورة فى حال ما إذا نجح فى تحقيق أهدافه، ويسمى تخريبا، إذا ما فشل. ولنضرب مثلا بما حدث فى 23 يوليو 1952: مجموعة من شباب الضباط، قرروا التحرك، فيما سموه بـ«الحركة المباركة»، كان الهدف هو أن يقوم هؤلاء الشباب بالسيطرة على قيادة الجيش، ولو أن أحدا قرأ مذكرات الشافعى، أو نجيب، لعلم أن التحرك كان يعتمد على أن يوجه الشباب السلاح نحو قياداتهم، وهناك واقعة خاصة بعبدالحكيم عامر إذ وجه سلاحه نحو قيادته وقال: سلم نفسك يا فندم.. فأجابه القيادة: إنت اتجننت يا حكيم؟ فقال عبدالحكيم: أنا آسف يا فندم... بس سلم نفسك. بعد أن قام الشباب بهذا العمل الانتحارى، وللحظ، نجحوا، توجهوا إلى محمد نجيب فى بيته وأعلموه بأنهم تمكنوا من السيطرة، وتم الإعلان عن تحركهم، وخرجت الجماهير المؤيدة، و«قد تفضل جلالته فوافق على المطلبين»، ثم تحولت الحركة المباركة إلى ثورة 52 التى نحتفل بها سنويا، وابن الجناينى بقى ظابط يا إنجى.
هب أن الحركة المباركة قد فشلت، كان سيتهم هؤلاء الشباب بأنهم متآمرون، وكان سيتم إعدامهم على أثر محاكمة عسكرية. التهم التى كانت ستوجه لهم: قلب نظام الحكم، والانشقاق عن الجيش، وخيانة الملك الذى أقسموا له يمين الولاء. اقترح نجيب أن يعود الجيش إلى ثكناته بعد إجراء الانتخابات، لكن الشباب، وعلى رأسهم عبدالناصر، فطنوا إلى أن ذلك سيكون مقتلهم، كيف يمكن لمن ينجح فى الانتخابات، أيا كان، أن يأمن لمجموعة من الضباط، وأتتهم الجرأة أن يرفعوا السلاح على قياداتهم ويعلنوا التحرك ضد الملك؟ وسيظل هؤلاء الشباب يمنون على من وصل إلى الحكم بفضلهم، فقال عبدالناصر: يعنى نعمل الثورة وندى الحكم لحد تانى؟ وهو اللى حيوصل للحكم حيسيبنا؟ وبناء عليه تم عزل نجيب، الذى قال له الضباط الأحرار: إنت كنت نايم فى البيت وقت ما إحنا كنا بنعرض نفسنا للإعدام. ووصل الشباب إلى الحكم، وأحدثوا تغييرات فى النظام الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، وظلت ثورة 52 ثورة، حتى هزيمة 67 التى أفشلت مشروعها.
مشكلة 25 يناير أنها لم يكن لها قيادة، وكل من يصل للحكم بموجب ما حققته 25 يناير، سيشعر بقلق من تكرار ما حدث معه هو ، وهو يبحث عن قيادة لهذه الثورة ليفعل معها ما كان يتخوف عبدالناصر منه إذا ما عاد لثكناته هو وأصحابه، لذا، فقد تقرر أن يتم التعامل مع من يسمون بـ«النشطاء» بوصفهم هم من قاموا بـ25 يناير.
لو أن من يسمون بالنشطاء يملكون تحريك الناس منذ ثلاث سنوات لملكوا تحريكهم الآن، لكن الناس تحركت بناء على غباء نظام مبارك وتعفنه، وبنفس الآلية تحركوا ضد مرسى، ولا يوجد هذا التعبير الأبله «سخنوا الناس»! الناس مش عبيطة عشان حد يسخنها. لذا، فإن كانت 25 يناير مؤامرة، وجب محاكمة الملايين التى تآمرت وهى لا تملك حسابا على الفيس بوك، ولا تعلم أساسا التفسير العلمى لكلمة «نشطاء». ثم بعد ذلك يتم إعادة مبارك للحكم ومحاكمة كل من سولت له نفسه أن يشغل منصب الرئيس وهو من حق مبارك.. حق الله، هى مش مؤامرة؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة