إذا كانت أنياب الإرهاب تمكنت من نهش الجنود المصريين فى سيناء قبل يومين, وقتلت منهم 26 شابًا شريفًا، فإن مراكش المغربية تنعم بقدر مدهش من الأمان, بعد أن أدرك أهلها أن هذه المدينة لهم وبهم، وإذا كانت الأفكار الإرهابية التى تعمل على استئصال المخالفين وقتلهم قد جاءت إلى مصرنا العزيزة على يد ملايين من المصريين هاجروا إلى بلاد مجاورة, استوطن فيها الفكر المتشدد، فإن هناك أربعة ملايين مغربى غادروا إلى أوروبا ليعملوا ويتعلموا فاقتبسوا منها الفكر الحر الذى يقبل الآخر ويتفاعل معه، وهكذا تجد أهل مراكش ينعمون بصحبة ملايين السائحين الذين جاءوا من أوروبا ليتنزهوا ويستجموا ويستمتعوا بالنظافة والطبيعة والنظام. (أفتح هذا القوس لأخبرك أن المغرب يستقبل نحو 10 ملايين سائح سنويًا، وأن عدد سكانه 30 مليون نسمة فقط، بينما نحن فى مصر تجاوزنا التسعين مليون إنسان ولا يزورنا من السائحين سوى 4 ملايين فى أفضل الأحوال برغم أن بحوزتنا ثلث آثار العالم)!
يعلم أهل مراكش جيدًا أن مدينتهم لن تزدهر إلا بالانفتاح على الآخر واستقباله بذكاء وكرم، لذا فالصناعة التقليدية هناك لها شأن عظيم، ولعلك ستعجب إذا علمت أن 60% من العملة الصعبة تدخل المغرب من باب هذه الصناعة، فالأجانب - غالبيتهم فرنسيون فى مراكش وأسبان فى مدن الشمال مثل طنجة - يعشقون المنتجات المغربية الشعبية، ويقبلون على اقتنائها, لأن الناس هناك تتفنن فى إبداعها، ففضيلة إتقان العمل شائعة جدًا بين المغاربة عامة, وأهل مراكش على وجه الخصوص.
قد تعجب إذا قلت لك إن ساحة جامع الفنا وهى أهم مزار سياحى فى مراكش لا تدخلها سيارة, وينتشر فى جنباتها عشرات الباعة الذين يعرضون بضاعتهم من كل صنف ولون، وتصطف على مشارفها الحناطير فى نظام صارم، لدرجة أنهم ابتكروا سراويل لكل حصان حتى لا يلوث الطريق بالروث! كذلك جلس ماسحو الأحذية متجاورين وقد ضع كل واحد منهم مقعدًا أمامه ليجلس عليه من يبغى تلميع حذائه!، إن مراكش مزيج بديع من العراقة والتقدم، لذا لم يستطع الإرهاب أن يتسلل إليها؟