رغم وجع القلب ولحظات الإحساس بالمرارة والحزن على استشهاد 27 من جنودنا فى سيناء بأيدى عناصر الإرهاب والظلام من أعداء الدين والوطن، علينا أن نفكر من الآن فى وضع استراتيجية شاملة للحرب على هذا الإرهاب، بمشاركة كل مؤسسات الدولة والقوى الوطنية والفعاليات المجتمعية.
فالحرب ليست مسؤولية قوى الأمن فى مصر من جيش أو شرطة فقط، إنما هى مسؤولية مشتركة يقف فيها الأمن على خط الدفاع الأخير.
المعركة ضد الإرهاب مسؤولية الأزهر والأوقاف والثقافة والتعليم والإعلام وليس الأمن وحده، مسؤولية واضحة لإعادة تحصين المجتمع وحمايته من الأفكار والآراء المشوهة والضالة والتكفيرية. فالحروب عادة لا تبدأ بالسلاح الذى فى اليد، وإنما من السيطرة على العقول وحشوها بأفكار العنف والدمار والكراهية.
فى حروبنا مع إسرائيل كان قادة إسرائيل وخبراؤها العسكريون ورؤساء مراكز الدراسات لديها، يؤكدون دائمًا أن المعركة مع المصريين تبدأ بتغيير مفاهيم الصراع، وغرس أفكار جديدة تعترف بالوجود الصهيونى وبإمكانية السلام معه، لأن العرب عمومًا والمصريين خصوصًا يتحلون بذاكرة النسيان، وتغيير القناعات السياسية سريعًا.
إذن المعركة مع الإرهاب هى معركة أفكار وعقول فى البداية، ومصر نجحت فى الحد من الظاهرة فى الثمانينيات والتسعينيات بوجود كبار العلماء والدعاة فى الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف فى قلب المعركة، وعقد الأزهر برئاسة فضيلة شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق فى أواخر عام 1988 مؤتمرًا شهيرًا تحدث فيه فضيلة الشيخ متولى الشعراوى والشيخ محمد الغزالى والشيخ الطيب النجار (رحم الله الجميع) لإظهار صورة الإسلام الوسطية، وقيمه السمحة وتفنيد كل دعاوى التكفير والعنف.
وأصدر الأزهر كتابا كان يوزع فى المساجد والجامعات بعنوان «هذا بيان للناس»، يشمل ردود كبار العلماء على فتاوى الضلال والإرهاب، وكان له تأثير إيجابى كبير فى المواجهة الشاملة ضد الإرهاب.
وجاب الدكتور محمد سيد طنطاوى مفتى الجمهورية والدكتور محمد على محجوب وزير الأوقاف وقتها محافظات عديدة فى مصر وخاصة محافظات الصعيد، لعقد مناظرات فكرية.
هذه الأفكار والمبادرات نحن فى حاجة إلى الاستعانة بها الآن فى الحرب الشرسة ضد جماعات الظلام، التى تجد فى صغار السن فى المدارس والجامعات صيدًا سهلًا لها. وأطالب فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بإعادة طباعة كتيب «هذا بيان للناس» مرة أخرى وتوزيعه مجانا على الناس.