على الرغم من بشاعة وقسوة الحادث الإرهابى الغاشم الذى أزهق أرواح 31 شهيدًا إلى جانب إصابة 26 آخرين من أبناء القوات المسلحة، فإنه تسبب وبشكل لافت للنظر فى الكشف عن قوة وعزيمة الشعب المصرى وقدرته الفائقة على الصمود فى مواجهة الأزمات.. وكعادته دائمًا يحتل الإعلام المصرى الوطنى المخلص مكان الصدارة فى حالة الغضب التى تسود جميع مؤسسات الدولة الرافضة لهذا الإرهاب الأسود، والتى تطالب بسرعة القصاص من هؤلاء القتلة والثأر للأرواح الطاهرة التى لم ترتكب ذنبًا إلا أنها تقوم بواجبها فى حماية أرض الوطن.
وخير دليل على ذلك تلك المبادرة من غرفة صناعة الإعلام المرئى برئاسة رجل الأعمال المهندس محمد الأمين التى ظهرت على الفور بعقد اجتماع عاجل مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى إشارة واضحة تؤكد أن الإعلام الخاص يقف جنبًا إلى جنب الإعلام الرسمى المملوك للدولة فى أوقات الأزمات، والحق يقال، فإن بيان الغرفة والاتحاد فى هذا الصدد قد جاء قويًا وفى حجم الحدث، حيث جاء فيه أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون وغرفة صناعة الإعلام سيقفون صفًا واحدًا خلف الدولة وقواتنا المسلحة ورجال الشرطة فى كل الإجراءات الحاسمة لحفظ أمن مصر وشعبها فى الحرب ضد الإرهاب، التى يسقط فيها كل يوم شهداء أبطال فداء للوطن والشعب، وذلك لأن الإعلام المصرى قادر على أن يرتفع إلى مستوى التحدى الذى يخوضه وطن يبنى ويحارب، وأن هذا الإعلام سيعلى ضميره المهنى والوطنى، فمن حق ملايين المصريين أن يجدوا فى وسائل إعلامهم الحقائق الموثقة والأخبار المدققة والآراء والمناقشات التى تفتح أمامهم آفاقًا جديدة فى الفكر والعلم والاقتصاد والدين والفن والحياة.
ولكن وسط هذه السعادة الغامرة بظهور بيان غرفة صناعة الإعلام المرئى على هذا النحو من القوة، أتمنى ألا تكون المسألة مجرد انفعال عاطفى ورد فعل لحظى جراء الألم الذى اعتصر القلوب بسبب هذا الحادث، لذا فإنه على الإعلاميين ضرورة العمل بما جاء فى هذا البيان، وأن يتوقف بعض الإعلاميين الذين لا هم لهم سوى إثارة الجدل ونشر البلبلة بين جموع الشعب، وأن تختفى أيضًا تلك الأصوات الخبيثة التى تبث السموم أمام المشاهدين بقصد وبسوء نية، ربما من أجل تحقيق مصالح شخصية أو من أجل تنفيذ أجندات خارجية، فلا بد أن نتنبه إلى مسألة فى غاية الأهمية وهى أن الفضائيات، إن لم تلتزم بما جاء فى هذا البيان المحترم، سنكون كمن يدور فى حلقة مفرغة، فالبيان جاء شاملًا قاطعًا مانعًا لم يترك أى شىء للصدفة بوعى حقيقى بأهمية الإعلام الفضائى فى هذه المرحلة.
كما يجب على الدولة أيضًا أن تتخذ من القرارات التى تهيئ المناخ للإعلام، لأن ينهض نهضة حقيقية تتفق مع ما يقوم به الرئيس السيسى من خطوات جادة نحو استعادة الدولة المصرية القوية إلى سابق عهدها على المستويين الإقليمى والعالمى.
وهنا أرى أن هذه المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الإعلام وعلى وجه الخصوص برامج الـ «توك شو»، التى هى فى حقيقة الأمر أكثر الوسائل التى تمتلك الرؤية والمنهج الطويل الأجل فى محاربة الفكر المتطرف، وكشف حقيقة المتآمرين على الشعب، وذلك بالتدقيق فى تقديم الفكر الدينى المستنير من خلال استضافة علماء مشهود لهم بالكفاءة والوسطية والاستنارة، بعيداً عن دعاة الفتنة والتطرف والعنف.
كما ينبغى فى هذا الشأن أيضًا أن يكون التحرك سريعًا فى مخاطبة الرأى العام، وذلك بضرورة الوقوف خلف الدولة والمصلحة الوطنية، لأننا فى ظروف استثنائية لا تحتمل التردد والانتظار، مما يتطلب وبشكل عاجل أن يكون الإعلام على قلب رجل واحد فى محاربة الإرهاب بطرق ممنهجة ومدروسة، تستمر دون انقطاع وليس بالتغطية الوقتية للحدث فقط، وهو ما أكد عليه بيان غرفة صناعة الإعلام الذى أراه فى غاية الأهمية.
ولأن الصحافة المصرية لا تقل فى أهميتها وخطورتها فى تشكيل الرأى العام عن الفضائيات، فقد جاء تحرك نقابة الصحفيين السريع، الذى أسفر عن اجتماع رؤساء تحرير الصحف المصرية بكل أنواعها القومية والحزبية والمستقلة فى إشارة واضحة إلى أن الصحافة أبت أن تجلس فى موقع المتفرج، بل أرادت أن تكون جزءًا فاعلًا ومهمًا فى حرب الدولة ضد الإرهاب الذى استفحل خطره وبات يهدد أمن وسلامة الدولة المصرية ككل.
وتوقفت طويلاً أمام البيان الصادر عن اجتماع رؤساء تحرير الصحف لما يمثله من نقلة نوعية فى تعامل الصحافة مع الأحداث الجسام التى يمر بها الوطن الآن، فقد اتفق رؤساء التحرير على دعم كل الإجراءات التى اتخذتها الدولة فى مواجهة العناصر الإرهابية وحماية الأمن القومى للبلاد فى إطار الدستور والقانون، وهى مسألة فى غاية الأهمية، حيث إن رؤساء التحرير أصبحوا على يقين تام بأن مصلحة الدولة العليا أهم بكثير من الجرى وراء الحصول على السبق الصحفى الذى كان بمثابة الشغل الشاغل لكل الصحف، سواء القومية أو المستقلة أو الحزبية، وسط الأجواء المقلوبة التى عاشتها مصر فى أعقاب ثورة 25 يناير، حيث تغيرت أمزجة القراء، ولم تعد هناك ثوابت فى الإقبال على الصحف وتحولت المسألة إلى مجرد عرض وطلب، فدخلت الصحف إلى ما يشبه الماراثون من أجل جذب القارئ بأى شكل من الأشكال، وبكل الوسائل حتى لو كانت تلك الوسائل تتعارض مع مصلحة الوطن والأمن القومى للبلاد أيضًا.
ومن هنا تأتى أهمية بيان رؤساء التحرير، حيث أكدوا على التزامهم بالتوقف عن نشر البيانات الصادرة من جهات محظورة تدعم الإرهاب وتدعو إلى تقويض مؤسسات الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، والتعامل بموضوعية ودون مبالغة مع أخبار المظاهرات التخريبية لجماعة الإخوان داخل الجامعات وخارجها، إلى جانب وضع آلية للتنسيق المشترك بين الصحف جميعا لمواجهة المخططات الإرهابية والسعى إلى اتخاذ الإجراءات لمواجهة هذه المخططات التى من شأنها منع تسلل العناصر الداعمة للإرهاب إلى الصحافة ومواجهة الثقافة المعادية للثوابت الوطنية.
حقاً نحن الآن أمام حالة فريدة من الوطنية، فحينما يقف الإعلام بشقيه المقروء والمرئى هذا الموقف المشرف تجاه الوطن، فإننا نكون بحق مقبلين على مرحلة جديدة تنبئ بعودة الريادة الإعلامية إلى مصر مجددًا، فقد كانت مصر إلى وقت قريب تتبوأ موقع الصدارة والريادة فى مجالات الإعلام فى المنطقة العربية بأسرها، وكانت بمثابة المصدر الرئيسى للإعلاميين الذين يديرون شؤون الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون فى كل دول المنطقة حتى تلك الدول الرائدة فى الصحافة، والتى كانت سباقة فى هذا المجال، إلا أن الصحفيين والإعلاميين المصرين كانوا يمثلون حالة خاصة جداً أجبرت دول المنطقة على الاستعانة بهم إلى وقت قريب جدا قبل أن تتغير الظروف وتتبدل الأحوال رأساً على عقب.
واللافت للنظر أن وقوف الإعلام المصرى «صحافة وتليفزيون» إلى جانب الدولة فى حربها ضد الإرهاب يمثل تحولاً كبيراً فى الأدوات التى تخوض بها الدولة تلك الحرب التى قد يطول أمدها، فالدولة بدون إعلام وطنى لن تكون قادرة على دحر هذا العدوان والقضاء عليه، حيث يلعب الجانب الترويجى والنفسى دوراً مهما فى تهيئة الرأى العام لما تتخذه الدولة من خطوات وإجراءات للحفاظ على مؤسساتها العامة التى هى ملك للشعب، فكلنا نعى جيدًا أن الإعلام قد شهد فى الآونة الأخيرة تنوعًا كبيرًا ومتسارعًا وواسعًا، من حيث الاعتماد على وسائل الاتصال والتواصل، مما فتح أمام الإعلام آفاقاً رحبة لم تخطر على بال أحد من الإعلاميين من قبل، الأمر الذى زاد من قوة وقدرات الإعلام فى إيصال الرسائل والتأثير باتجاهات الرأى العام بشكل غير مسبوق، مما يضع أمام الإعلام والإعلاميين مسؤوليات جسام فى تصحيح الانحرافات والتصدى للظواهر السلبية فى المجتمع، ومن ضمنها ظاهرة الإرهاب والتطرف التى بات شرها ونارها يأكل الأخضر واليابس ويسبب هلعاً ورعبا فى قلوب البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى الصراعات السياسية على السلطة والاستحواذ على مقاليد الحكم.
لذلك فإننى أرى أن الإعلام فى هذه المرحلة التى نعيشها الآن قد أصبح أشد قوة من القنابل والعبوات الناسفة فى ظل الاستراتيجيات الأمنية الحديثة، وذلك بالطبع لن يتأتى إلا حينما تقوم وسائل الإعلام بتبصير الأفراد والجماعات بحقيقة الفكر الإرهابى المنحرف، وكشف الأساليب الإجرامية، وفضح الإرهاب الأسود وكشف أهداف الخارجين على قيم المجتمع، وتوضيح الأهداف الخبيثة التى تختفى وراؤها ظاهرة الإرهاب والتطرف بمختلف أشكاله البغيضة.
إننا، وكما قال الرئيس فى كلمته إلى الأمة، نخوض حرباً ضد الإرهاب، الهدف من ورائها كسر إرادة المصريين والجيش، باعتباره عمود مصر، وهناك دعم خارجى من دول بعينها لتنفيذ تلك العملية الدنيئة التى تتسم بالغدر والخسة والخيانة، وهو ما يتطلب الوقوف صفًا واحدًا فى مواجهة هذا الخطر، كما يتحتم على الإعلام أيضاً أن يغير من نفسه ويطور من أدواته، وأن يكون بالفعل على مستوى الحدث الجلل الذى نعيشه الآن حتى نصل إلى الأهداف المرجوة، عملاً بقول الله عز وجل فى الآية 11 من سورة الرعد «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» صدق الله العظيم.