غريب أمر عبدالرحمن يوسف بن القرضاوى، يعيش فى مصر ويدعو عليها، يؤمنه ويؤمن أمواله رجال الشرطة ويتمنى لهم الموت، يحمى رجال الجيش حدوده ويدعو عليهم بالسقوط، يتمتع بحقه فى حرية الرأى والتعبير وحرية ممارسة السياسة فيكون أول ما يفكر فيه تمنى الأذى والضرر للمختلفين معه.
كان ابن القرضاوى هذا، حاضرا فى مؤتمر اندماج حزب أبوالفتوح الإخوانى مع التيار المصرى وكلها ساحات خلفية للجماعة الإرهابية المحظورة فما كان منه إلا أن خلع رأسه مثل الولايا، وطالب المندمجين من الحزبين أن يؤمنوا على دعائه بسقوط النظام فى مصر وضياع جيشها وانهيار شرطتها وضياع هيبتها، فهل هذا تصرف لسياسيين يرجون أن يحصلوا على أى تأييد من الشعب، أو هل هذه هى نوعية الممارسة السياسية التى ينوون اعتمادها للفوز بثقة المصريين؟!
لماذا تحول ابن القرضاوى هذا التحول الغريب، حتى أصبح كتلة من الحقد الأعمى لا يفعل إلا أن ينفث السم؟ ربما علينا أن نعود إلى الخطاب الدرامى الذى كتبه لأبيه القرضاوى فى السابع من يوليو 2013، بعد أن استجاب الرئيس السيسى لثورة الشعب فى 30 يونيو، قال ابن القرضاوى فى خطابه المعنون بـ«عفوا أبى الحبيب.. مرسى لا شرعية له» فى وصف المعزول: «.. لقد عاهدنا الرجل ووعدنا بالتوافق على الدستور، ولم يف، وبالتوافق على الوزارة، ولم يف، وبالمشاركة لا المغالبة فى حكم البلاد، ولم يف، وبأن يكون رئيسا لكل المصريين، ولم يف، وأهم من كل ذلك أننا عاهدناه على أن يكون رئيس مصر الثورة، ثم رأيناه فى عيد الثورة يقول لجهاز الشرطة- الذى عاهدنا على تطهيره ولم يف أيضا- يقول لهم: «أنتم فى القلب من ثورة يناير!!!»، فبأى عهود الله تريدنا أن نبقى عليه؟ لقد تصالح مع الدولة العميقة، ومع الفلول، ومع رجال أعمال مبارك، ومع كل الشرور الكامنة من العهود البائدة، بل حاول أن يوظفها لحسابه، وأن يستميلها لجماعته، وأعان الظالمين على ظلمهم».
بعد هذا الخطاب الذى يبدو أنه صدر فى لحظة صدق مع النفس وانبهار تلقائى بثورة الشعب فى 30 يونيو، سكت ابن القرضاوى ولم ينطق، ثم رأيناه ينزاح تدريجيا إلى المعسكر المتطرف، وبين إعلان تأييده الصريح لثورة الشعب وحقه فى الإطاحة بمرسى المستبد، تحول خطابه إلى تكرار لنواح وعويل أبيه، يصرخ فى كل مناسبة ويلطم وجهه متأسيا على الديمقراطية الذبيحة والشرعية المهدرة والحرية الغائبة.
بعض الخبثاء قالوا عن سكوت ابن القرضاوى، إن أباه ورعاة أبيه من الحفاة العراة المتطاولين فى البنيان، اشتروا سكوته لأنهم رأوا فيه أكبر الخطر على مصداقية البوق الذى يستخدمونه فى غسيل أدمغة الجهلاء والبسطاء من المحيط إلى الخليج، خاصة، والعهدة على الخبثاء، أن القرضاوى كان على خلاف جذرى مع أبنائه ومنهم عبدالرحمن على خلفية الزواج من نساء صغيرات يمنحهن أموالا كثيرة، وآخرهن فتاة جزائرية كتب القرضاوى فيها الأشعار وتوله فى حبها، لكنها كانت فى شجار دائم مع أبنائه حتى طلقوها منه بالإرغام.
المهم أن ابن القرضاوى نال من أبيه ما أراد ثمنا لسكوته عن إعلان موقفه السياسى الداعم لثورة 30 يونيو، ثم استمرأ اللعبة فطور سكوته إلى انحياز سافر لمعسكر أبيه، ثم التعبير عن هذا الانحياز بما يخدم معسكر التنظيم الدولى، وكله بثمنه. وأهمس فى أذنه: يا عبدالرحمن، كان العرب يقولون «الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها».