هل تنبغى مواصلة تكدير صفو الأيام المُباركة بممارسة «اللغو السياسى» وأخبار الاغتيالات والتفجيرات والمؤامرات وغيرها مما ينتهك بهجتنا بالأعياد، ولماذا لا نُنّحى هذا السخافات جانبا ونحاول الفضفضة.
يتكئ «صاحبكم» على مراثيه فتطارده وجوه رفاقٍ اختطفهم الموت بغتة، وتُمسى الأمكنة التى كانت ساحاتٍ لحياة بسيطة، لكنها مُبهجة، حتى انتهكها العنف الذى اعتدناه باعتباره «حاجة إنسانية مُلحة» والحب أيضا، فحين أقتلك ربما أنتصر عليكِ، لكن حين أحبك تنتصرين علىّ، لتتحول القاهرة.. مدينته الأثيرة، من «خطيئة معمارية» لبستان تسكنه العصافير والعطور ورائحة لقاء الحبّ الأول.
لم يتعلم «حكمة الموت» فظل على قيد الحياة يمتهن حفر القبور، وتسجيل أسماء الموتى بالذاكرة المُتخمة بالأوجاع لتبقى شاهدة على أوهام البدايات ومرارات النهايات.
يمضى متوحدا بعالمه الباهت لأشياء تلاشت وصارت تاريخا من الخيبات المتعاقبة التى يبدلها كملابس رخيصة وحماقات راودته لارتكابها لكنه انسحب متسللا خارج ساحات الخراب ليدمن الصمت، احتراما للحقيقة، وتعففا على تجارة الكلام، ويمضى خفيفا كالعصافير يرفض اللهاث خلف أمنيات ساذجة أقنعونا أنها معيار النجاح بالحياة.
ينحاز فطريا لتلك القرى الفقيرة المنسية التى أنجبته بإحداها امرأة لا تجيد سوى قراءة الكفّ والفنجان وسمات الوجوه، لا تعنيها العولمة وأوباما والتحالفات والبورصات والمشروعات الوطنية والعابرة للحدود ومازالت ترفض تصور صعود الإنسان للفضاء والكواكب، وتستخف باللغات واللهجات مبتهجة بأغنيات الأفراح النادرة، التى يقتنصها البسطاء أصحاب الملامح المثقلة بالسمرة، لهذا فوحدهن نسوة الأزمنة الغابرة اللاتى تأسرك طلتّهن، بهذا العالم الفوضوى الوحشى الذى تُضطر للانتماء إليه، بالمقاهى تتناثر المودة، ينتظر اليوم قبل الأخير للطوفان ليفرع ذاكرته، راية مشبعة بالآلام، وينام عاريا بطريق الخيالات المكتظة بقوافل النخاسة من محطة لأخرى.
يواصل تأمل مشاهد تناحر الفقراء على رغيف خبز يابس، وزجاجات الزيت وأكياس السكر، ويخلعون ثيابهم وينامون أسفل «العجلات الاقتصادية المتعثرة» منذ دهور، بينما يجلس موظف مسحوق على أمره، يجمع نزاهته المبعثرة وينام ويصحو حالما بدرجة بالسلم الوظيفى، ويجتمع كبار المسؤولين وصغارهم لاتخاذ «القرارات التاريخية» ويوقعونها باستعجال لمحاصرة أوجاع الأوطان والشعوب. وفى العالم المتوحش يلتقى الديناصورات سرا وعلانية، ليتقاسموا المغانم كقطعة الحلوى، مرتدين قفازاتهم الأنيقة كرايات سوداء للزمن القادم أو القاتم، وبعدها ينامون ليستيقظوا لتقاذف الكرة الأرضية كقردة السيرك المُدرّبة على صناعة البهجة وانتزاع الابتسامات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة