الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة يستحق التحية لشجاعته فى مواجهة قوى التطرف الكامنة فى المجتمع، ففى حديثه لبرنامج القاهرة 360، لم تمنعه قيود منصبه الرسمى من مخالفة رئيس الوزراء حول قراره بمنع فيلم حلاوة روح، كما لم تخيفه أشباح الإرهابيين التى تلبست الكثيرين منا على مدى العقود الماضية، وأعلن موقفه الواضح من قضايا الإبداع والحريات دون مواربة ودون مواءمات سياسية.
جابر عصفور الناقد والمفكر يعرف أن مكانه الحقيقى والوحيد بين المثقفين والمبدعين، وأن عمله بالوزارة مهما طال لا يجب أن يتعارض مع أحلامه بالحرية، لذا كان صريحا ومتسقا مع نفسه عندما قال إن جامعة القاهرة بأكملها لم تعرف ما يسمى بالحجاب أو النقاب خلال الستينيات من القرن الماضى أيام دراسته الجامعية، عندما كانت المرأة المصرية «نموذجًا للفكر المتقدم والعقل المنفتح»، وهو هنا لا يعترض على الحجاب كنوع من الزى أو الاختيار الحر للملبس، وإنما يعترض على ما صار عرفًا اجتماعيًا بعد ذلك من أن المحجبة أخلاقية وغيرها ليست كذلك، أو أن الحجاب دلالة فى ذاته على التدين والقرب من الله، وهو نوع من التدين الظاهرى القشرى أفسد أرواح المصريات وطمس على عقولهن، ولم يمنع الانحطاط والتشوه الخلقى والفكرى فى الوقت نفسه.
وعندما تحدث جابر عصفور عن الجمال الإنسانى واللوحات العارية باعتباره ليس مثيرًا للغرائز، كان يعلم أنه سيواجه بعاصفة من الانتقادات والهجوم المقنع بالدفاع عن الدين والأخلاق، ولكنه كان يخاطب الذائقة المصرية العامة فى زمن مضى خلال النصف الأول من القرن العشرين وحتى نهاية السبعينيات قبل أن يحدث لها أكبر عملية تجريف وتشويه بظهور التيارات المتطرفة التى ترافقت مع خلخلة المجتمع كله بفعل الهجرات الاقتصادية للخليج وغرب أفريقيا وتراجع الطبقة الوسطى ومعها كل القيم الثقافية الراسخة.
الآن وبعد عقود من تكريس التخلف والقبح والبهيمية باسم الدين أو باسم الأخلاق أو حتى باسم عشوائية الجهل، وبعد تصدر طالبان وداعش والقاعدة وجبهة النصرة المشهد، أصبح من الطبيعى أن يطلق المتطرفون النار على التماثيل التاريخية باعتبارها أصنامًا ويحرقون المزارات والأضرحة لأنها شرك بالله، وأن يتحدث أحفاد رواد الأوبرا وحفلات أم كلثوم عن عروض الباليه واللوحات الفنية بوصفها خروجا عن الأخلاق.
الدكتور جابر عليه أن يحشد قطاعات وزارة الثقافة لمواجهة سنوات التجريف والتجهيل برفع مستوى الذوق العام.. ويا لها من مهمة قومية شاقة.