القول الفصل هنا هو أن أى تنظيم دينى ذات طابع سياسى يهدف للوصول إلى السلطة فى مجتمع أغلبيته مسلمة سوف يقود فى المستقبل إلى صدام مع مجتمعه ودولته القائمة. أبو الأعلى المودودى حين تحدث عن الجماعة الإسلامية أو عن الدولة الإسلامية كان ذلك فى مجتمع أغلبيته غير مسلمة، واستقلت
باكستان عن الهند وأسست لمجتمع مسلم بعيدا عن سطوة الهندوس، وهذا المجتمع الجديد والسلطة الجديدة لم تحقق الدولة الإسلامية كما ظن مؤسسوها، وقدر كثيرون أن البقاء ضمن الهند كان أفضل من الانفصال. فكرة أن الدولة الوطنية جاهلية وأنها لابد من استبدالها بدولة إسلامية هى فكرة لابد من مراجعتها، ذلك أن هذه الدولة ليست جاهلية بالمعنى المطلق، فهى تعترف فى دساتيرها بأنها دولة مسلمة كما هو الحال فى مصر مثلا وقوانينها فى الأحوال الشخصية تستند إلى الشريعة، أما القوانين الأخرى فهى مستمدة من الشريعة كما هو الحال مع الجهد الذى بذله السنهورى حيث حاول إقامة جسر بين القوانين المدنية وغيرها وبين الشريعة الإسلامية، كما أن الإسلام هو جزء من شرعية تلك الدول وهو تعبير عن تدين رؤسائها.
فكرة الإصلاح من خلال الدولة القائمة عبر وسائل إصلاحها من خلال أن تكون دولة أكثر عدلا وشيوعا للمساواة بين أبنائها واحتراما للقوانين وأن تكون تمثلا للشفافية والنزاهة، وأن يكون لديها قواعد للمحاسبة وأن تحترم حق المتدينيين فى أن يعبروا عما يريدون دون شعور بالتحيز أو الاضطهاد، وأن يكون لديها مجتمع قوى يستطيع المراقبة والمحاسبة، وأن يكون لدى مواطنيها شعور بالمسؤولية تجاه مجتمعهم وتجاه دولتهم فى نفس الوقت، نحن لا نريد دولة إسلامية ولكن نريد دولة عادلة. نحن نريد سلطة تحترم حق المتدينيين فى أن يكون لهم تمثيلهم فى المؤسسات المختلفة فلا يشعرون أنهم منبوذون أو مضطهدون أو مقصودون بالنفى والتهميش، نحن نريد دولة تحترم الإنسان وتحترم الحقوق وتؤدى الواجبات، فكرة الدولة الإسلامية تحتاج إلى مراجعة وفكرة أن تكون السلطة فى أيدينا كإسلاميين باعتبار ذلك شرطا من شروط تحقيق الدولة الإسلامية الصافية النموذجية تحتاج إلى مراجعة. الدولة الوطنية الحديثة التى قامت بعد سقوط الخلافة وهى ما نطلق عليه دولة ما بعد الاستعمار ليست قدرا مقدورا ولكنها بحاجة إلى نضال من أجل أن تكون أكثر تعبيرا عن مجتمعها، وأن تكون أكثر حرية واحتراما لمواطنيها، وأن يكون ذلك من خلال ما تتيحه تلك الدولة ذاتها من دستور وقوانين ومجتمع مدنى وحركات اجتماعية تعمل فى الشارع، وتمارس بلا هوادة مبادئ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
فكرة التنظيمات أصلا هى فكرة استخدمتها الجيوش فى البداية كحل لمشاكل إدارتها فى الحروب، ثم انتقلت من بعد إلى الحياة المدنية لإدارة حياة الناس وجعلها أكثر يسرا وسهولة، وهى التى أسست لما نطلق عليه الإدارة المدنية أو البيروقراطية، ثم استخدمها لينين كأداة من أدوات تحقيق الدولة الماركسية فى كتابه ما العمل؟ نفس القصة انتقلت إلى الإسلاميين وأجابوا عن سؤال لينين ما العمل؟ بنفس الطريقة أن يكون لديهم طليعة هذه الطليعة تؤسس تنظيمات هذه التنظيمات وتواجه الدول القائمة لكى تبنى هى على أنقاضها دولة الفردوس المنتظر أو الجنة على الأرض وهى الدولة الإسلامية. على الإسلاميين أن يصبحوا مسلمين ضمن سياق المسلمين فى مجتمعاتهم، وأن يخوضوا نضالهم ضمن بقية مجتمعهم دون
أن يخلقوا هم عالما لأنفسهم منفصلا عن العوالم الأوسع التى يعيشون فيها، وعليهم أن يندمجوا وأن يعملوا ضمن البحر الأوسع الذى يعيشون فيه، وأن يدركوا أن ما اعتبروه من منظور حركى ضرورة وهى الدولة الإسلامية والتنظيمات الضرورية لإقامتها ليست سوى وهم كبير عليهم أن يتحرروا منه.