يستحق أن يطلق عليه لقب أمير الدبلوماسيين العرب.. لماذا؟.. فهو الرجل الذى حظى بشعبية عارمة فى عصر مبارك حينما كان وزيرا للخارجية.. وهو الذى استطاع أن يجعل من جامعة الدول العربية منبرا مهما للكثير من القضايا، على رأسها القضية الفلسطينية.. الرجل الذى خسر أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير، وضرب مثلا يحتذى به فى الرقى والتحضر بعد أن اعترف بهزيمته، وهنأ الرئيس الفائز، وتحاشى أن يخرج ضده مثلما فعل آخرون.
عمرو موسى يستحق لقب "الأمير".. فرغم تاريخ حافل من العمل السياسى لم يتوان ولو للحظة عن مواصلة العمل، فهو يستيقظ يوميا ليذهب الى مكتبه بجاردن سيتى ليعمل وكأنه شاب صغير فى دأب واجتهاد، يصر على اقتحام كل ما هو جديد، ويتابع كل كبيرة وصغيرة، فهو اعتاد بعد أن يشرب شايه ويتناول إفطاره، أن يقرأ كل الصحف والمجلات بشكل يومى.
لا أخفى سرا، أن موسى مازال يتمتع بعلاقات دولية قوية للغاية تجعله واحدًا من أعظم وزراء الخارجية فى مصر، ولا يزال زعماء الدول العربية بل وملوك العالم يولونه اهتماما بالغا، فالرجل يمتلك من الخبرة والكياسة ما يؤهله للتواصل مع مثل هذه الشخصيات، فهو كان وما زال ضيفا دائما على كثير من المحافل الدولية.
اعتمد عليه السيسى واستقبله فى مقر وزارة الدفاع ليؤكد نبأ ترشحه للانتخابات الرئاسية، أدى دورًا ولا أجمل حينما سطر اسمه فى التاريخ بأحرف من ذهب حينما شارك فى وضع دستور تاريخى لمصر، وترأس لجنة الخمسين وأدارها إدارة حكيمة، وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أنه صاحب المقولة الشهيرة "سوء الإدارة هو سبب خروج المصريين فى 25 يناير"، ولعله صدق وعده حينما أحسن إدارة اللجنة، نعم إنها لا تساوى إدارة شئون البلاد، ولكنها جعلته أهلا لإدارة حكيمة إذا ما كان قدر له رئاسة الجمهورية.
كنت أتابع حملته الانتخابية، وفى إحدى المرات التى كنا بها بالصعيد، كان يبدأ جولاته فى العاشرة صباحا، وما أن تأتى التاسعة مساء، إلا وكل الصحفيين السياسيين مثلى يحلمون بالسرير، إلا أن الرجل كان يستمر فى جولاته لتصل إلى الثانية بعد منتصف الليل أحيانا ليقول البعض "هو الرجل ده مبيتعبش".
لا أجد حرجا فى أن أبدى إعجابى الشديد بهذا الرجل، فهو مقتنع فى كل أفعاله بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، هذا الرجل خريج كلية الحقوق الذى ما إن اجتمع به مبارك للوهلة الأولى فى قصره الرئاسى اختاره وزيرا للخارجية، وشق الطريق نحو مستقبل لا يستطيع الكثيرون الوصول إليه الآن.
ينطبق على عمرو موسى المثل القائل "الكبير كبير فعلا" فهو لا يجد حرجا أن يستعين بأى رأى حتى ولو كان من صحفى صغير السن وقليل الحيلة مثلى، وهذا من شيم الكبار، ليس ذلك فحسب فإن تواضعه فى كثير من الأوقات يدفعه للجلوس مع البسطاء والعامة، ولا يخفى على الجميع أنه يحب أكل الفول المدمس، وهو الأمر الذى اعتاد عليه فى كثير من جولاته الانتخابية وقتما كان مرشحا رئاسيا.
من أفضل من عملت معهم طيلة مشوارى الصحفى القصير جدا هو عمرو موسى، فالرجل دقيق جدا فى كلماته، يجيد التحدث دون أن يخطئ ويجيد فن الدبلوماسية، وهو الأمر الواضح فى كثير من حواراته التلفزيونية والصحفية، فيما لا تشكل له الأسئلة الصعبة أى حرج على الإطلاق، لأنه بارع فى تخطيها، يعلم قيمة الإعلام، ويعى جيدا كيف يكون التواصل مع الناس، ولو تحدثت عن قدرات هذا الرجل لن يكفيه حقه مقال واحد.
الرجل لديه ميول ناصرية، ويحظى باحترام وشعبية كثير من المصريين والعرب، هذه الشعبية لم تأت من فراغ، وإنما جاءت بفضل ذكائه الحاد فى التعامل مع الآخرين، وقدرته على تخطى أى حرج، وكلنا يعلم أن الرجل التقى خيرت الشاطر نائب المرشد قبل أيام قليلة من ثورة 30 يونيه فى فخ نصب له، إلا أنه استطاع وبكل كياسة أن يشرح وجهة نظره فى هذا اللقاء، الأمر الذى دفع المصريين لتناسى أى تفاصيل تتعلق باللقاء.
شتان بينه وبين البرادعى، فمع احترامى لملهم الشباب فى ثورة 25 يناير وأحد أكبر القامات الوطنية فى مصر - بغض النظر عن رأى البعض فيه - ، إلا أن موسى يفوقه دبلوماسيا بكثير والفارق واضح بينهما، فالآن البرادعى فى فيينا بعد السخط الشعبى الذى تعرض له إثر استقالته المفاجئة و"موسى" يعيش فى بلده مصر.
تحية إجلال وتقدير.. لأمير الدبلوماسية العربية.. عمرو موسى