يتزامن العيدان - عيد الأضحى المبارك - وعيد انتصار أكتوبر المجيد- ولكن يتزامن معهما أيضاً ميراث كبير من التمزق العربى والشتات الذى تشهده الأوطان العربية، حتى إن بعضها مهدد بالتقسيم وآخر مهدد بالحرب الأهلية وثالث مهدد بالاحتلال ورابع مهدد بتدمير حضارته كاملاً.. والبقية تأتى فى ظل محاولات صهيونية شرسة لرسم خريطة التقسيم المزعومة والتى وضعها الصهاينة منذ ما يقرب من نصف قرن فى نيويورك ولا تزال المؤامرات مستمرة.. اليمن يحاصر رئيس جمهوريته، والحوثيون الشيعة يهددون باحتلال الحضارة التى كانت يوماً أحد أهم خمسة مزارات فى العالم وآثاره لا تقارن.. كان اليمن السعيد فإذ به يصير اليمن المريض. بدأ بالتقسيم إلى ست دويلات ثم تهدد إيران أن تسيطر على مضيق باب المندب من خلال سطوة الحوثيين الشيعة على اليمن.. أما العراق فهو أتعس حالاً وقد اخترعت أمريكا آخر ابتكاراتها بعنوان «داعش» لتكتسح البقية الباقية من العراق الذى ينتظر تقسيمه بين ليلة وضحاها.. الأكراد تعتبر نفسها قد انعزلت بالفعل عن باقى محافظات العراق.. وهكذا الحال فى مناطق الشيعة ومناطق السنة ومناطق المسيحيين وكثير منهم فروا هاربين من تهديدات «داعش» إلى مناطق الأكراد فى الشمال.. أما سوريا فهو يعيش حربا أهلية أمنية ومحاولات أمريكية مكثقة لتدمير الجيش السورى وزعزعة الاستقرار هناك فى خطوة للتقسيم السريع حسب خريطتهم الجاهزة.. وليبيا هو الآخر يعيش زمن التخريب العشوائى على أقصى مداه، ولا أحد يمكنه أن يجلس مع الآخر للوصول إلى كلمة حكمة لأن القبلية قد سيطرت على صوت الضمير الجمعى وتراجعت القيم الحضارية، وأمريكا والغرب يتفرجان.
اليوم ونحن نحتفل بالعيدين الأضحى المبارك وأكتوبر المجيد. نقول: لماذا تراجعنا إلى هذا الحد المخيف؟ لماذا سقطت عروبتنا إلا من الأغانى والشعارات؟ لماذا كل هذا الفزع اليومى؟ وأقول: لأننا ببساطة لم نستفد بعد من انتصارنا الخالد فى اليوم الخالد السادس من أكتوبر 1973 العاشر من رمضان.. لم نستفد من هذا النجاح الأكبر على مستوى الإنجازات العربية تاريخياً.. لم نستفد لأننا لا نعرف كيف نستفيد من تاريخنا.. وليست لدينا الخبرات التى يمكن بها أن نطور أداءنا ومعرفة كيفية الوصول إلى المثالية، تحدثنا طويلاً عن روح أكتوبر وإذ بنا نصل إلى حائط مسدود ولا نصل إلى الهدف المنشود، فهل استطعنا أن نصل بعد حرب أكتوبر إلى كيان عربى راسخ يمكن من خلاله أن ننشئ اتحادا عربيا متكاملا له عملة اقتصادية واحدة، ويتعامل من خلاله العرب على أنهم لون واحد وقلب واحد ومصير واحد، وقد سبقنا فى ذلك الاتحاد الأوروبى الذى نجح وصار قوة ضاربة لا تهزها رياح إفلاس أو زلازل الهزائم العسكرية أو المواجهات الحضارية.. وقد رأينا مثالاً واضحاً حين سقط اليونان وأفلس تماماً.. وتراجعت عملاته وثرواته وسياحته. وكل شىء فيه. فإذا بالاتحاد الأوروبى ينتشله من الجحيم إلى الاستقرار والطمأنينة، هؤلاء استفادوا من الحرب العالمية الثانية.. وأقسموا ألا تحدث لهم هزيمة أخرى.. ونحن لم نستفد!.