الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل، الشباب هم الأمل والعمل والحماس والحركة، وجيل الكبار هم الفكر والخبرة والنضج والتجربة، ولا تستقيم الحياة ولا أمل فى إنتاج ولا طريق للتغيير ولا مجال لتحقيق الآمال بغير تحاور وتوافق وتكامل الأجيال، فعندما نجد هذا الصراع المصطنع بين الأجيال يكون هناك خلل فى العلاقات وتنافر فى التوجهات لا يستفيد منه الوطن ولا تنتفع منه الأجيال، ومن الطبيعى إذا انتُسبت الشرارة الأولى لهبة يناير للشباب باعتبار أنهم من دعوا إليها عن طريق شبكة التواصل الاجتماعى، فإن هبة الجماهير وخروجهم وإسقاطهم لمبارك، فهذا نتاج ونتيجة لنضال دائم ومعارضة شرسة وأثمان دفعت سجناً واعتقالاً وملاحقة من أجيال سابقة على مدى عقود، فالتلاحم والتكامل أفرزا نجاح 25 يناير بإسقاط مبارك و30 يونيو بإسقاط نظام الإخوان، وهنا فعندما نتحدث عن جيل الشباب أو الكبار فإننا نعنى كل الشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته وانتماءاته، ذلك الشعب الصابر والصامد والمكافح والراضى والقانع ليس خنوعا لكن حبا وانتماء لهذا الوطن، وهنا فماذا نقصد بالشباب ومشاركتهم وتمكينهم وتبوئهم مواقع فى شتى المجالات، فلا خلاف على هذا من حيث المبدأ فهذه سنة الحياة وطبيعة الأشياء، فهل نقصد الشباب ذا المرحلة السنية من 18 - 30 مثلاً؟ وهنا هل الحكم والفيصل هو السن فقط أم القدرة والموهبة والإمكانات والصلاحية للموقع؟ وهل الشباب هنا مقصود بهم الشباب المصرى عامة من عمال وفلاحين وخريجين عاطلين ذكوراً وإناثا على مستوى الوطن باتساعه أم أن المقصود بالشباب هولاء الشباب الذين يعلنون وصايتهم على الثورة، وأى ثورة، يملأون وسائل الإعلام ضجيجاً ويجيدون الصوت العالى والارتباط بالخارج؟ هل هم الشباب الذين يدافع عنهم أوباما وأمثاله فى حالة تدخل سافر فى شؤون الوطن واستهانة باستقلالية القضاء؟ وهنا لا مزايدة، فبعد 25 كان رئيس وزراء من الميدان وكان الزعم أنه ممثل الشباب والثورة كستار لغرضه من جماعة الإخوان رأينا من تم تعيينهم وزراء ومحافظين وفى المجلس القومى لحقوق الإنسان باختيار وإشراف طبقة الثورة ومحتكرى الميدان، وبعد 30 يونيو وجدنا من يطلق عليهم زعماد تمرد.. وتمرد لا شك هى حركة جماهيرية عبرت عن وجدان الشعب فى لحظة تاريخية فارقة، أى أنها فكرة وليست تنظيماً أو زعامات، ومع ذلك تم تعيينهم فى لجنة الدستور بعد حضورهم اجتماع 3 يوليو، بل تم وضعهم فى مناهج التاريخ، وما نقصد هنا هو أن تكون نظرتنا لكل الشباب المصرى كافة فى سيناء ومطروح والصعيد، الشباب الذى لا يعرف طريق العاصمة والذى لا يجيد رفع الشعارات الكاذبة والذى لا يتقمص دور البطولات المتخيلة والزعامات المفترضة، الشباب الكادح الذى يحتاج إلى من يأخذ بيده ويفتح له باب الحياة قبل أن يمنحه موقعاً مرموقاً، ومع ذلك هل قضية الشباب تقتصر على هذه المواقع أم أن الأهم والأخطر أن الشباب هو نتاج واقع سياسى واقتصادى واجتماعى وثقافى منهار، واقع لا ينتج مواهب ولا يفرز كفاءات، واقع فيه التعليم لا علاقة له بإعداد المواطن ولا دور له فى اكتشاف المواهب حتى يمكن إعدادها وصقلها لكى تكون قيادة، فمشاركة الشباب فى المواقع والمجالس تحتاج إلى إعداد وتربية وتغيير مناخ وممارسة لحرية الرأى وحق الاختلاف والإعداد لمشاركة سياسية تؤهل للمشاركة فى اتخاذ القرار، تحتاج إلى القضاء على الفساد والواسطة والمحسوبية حتى يشعر الشاب المصرى بالمساواة والعدالة والكرامة، فما فائدة تعيين عشرات أو مئات من الشباب فى مواقع وكل الشباب المصرى مازال يشعر بحالة اغتراب فكيف نجعل مصر لكل المصريين؟!