مدحت صفوت

ردًا على كرم جبر: الزواج المدنى هو الحل

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2014 12:25 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن حادث "فتنة سيدة الطير" سوى عَرَضٍ لأمراض مجتمعية تستوطن فى ثقافة المجتمع منذ بدء عمليات نشر البداوة والتقاليد الصحراوية فى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، وهى أمراض وصفها الشاعر والكاتب الصحفى كريم عبد السلام بـ"أمراض العصبية القبلية والعائلية وكل أمراض التعصب الدينى المقيت".

ويكشف الحادث، وأغلب المناقشات التى دارت حوله عن خلل فى بنية الوعى المجتمعى، ففى إطار ذلك نشرت جريدة "اليوم السابع" فى عدد الأربعاء الماضى مقالتين للصحفيين كريم عبد السلام وكرم جبر. بدت المقالة الأولى راغبة فى الوصول إلى حل قانونى لا يُسقط حرية الاعتقاد أو تغيير العقيدة دون إثارة حساسية مجتمعية، فيما نختلف مع طرح المقالة الثانية المعنونة بـ"امنعوا زيجات الفتنة الطائفية!"، حيث تنتمى رؤية كاتبها إلى دائرة الحلول الإقصائية والإجراءات القمعية، ربما تفوق تبعاتها آثار الحوادث الطائفية.

بداية أورد الزميل الأستاذ كرم جبر معلومة غير دقيقة، إذ قال "المسيحية لا تمنع الزواج من مسلم والإسلام فيه العكس"، رغم أن الخطاب المسيحى الراهن، واستنادًا إلى نصوص الآباء الأوائل، يرفض زواج المسيحيات من غير المسيحى، ولا يعترف به ويصفه بـ"الزنا"، المترتب عليه إخراج من تفعل ذلك من المسيحية، وطردها من نعيم الملكوت. ويذهب الخطاب الأرثوذوكسى –تحديدًا- إلى أبعد من ذلك، حيث يرفض أيضًا زواج الأرثوذوكسية من الكاثوليكى أو البروتستانتى، بينما يقبل على مضض زواج الأرثوذوكى من غير الملة.

وبعد أن عرض الكاتب المشكلة حسم الحل فى عبارة "إصدار تشريع حاسم وباتر، يحظر الزيجات بين أبناء الديانتين ويجرم من يقترف هذا الفعل، حماية للسلام الاجتماعى والوحدة الوطنية ودرأ للمخاطر الكبيرة التى تهدد النسيج الاجتماعى".

وفى رأينا نرفض "خلاص جبر من الفتنة" لسببين، الأول مرتبط بكم الجرائم المرتكبة باسم حماية السلام الاجتماعى، ولأجله برر مئات الكتاب والمثقفين طغيان الحكام وفساد الأنظمة، وينتمى المقترح إلى الدائرة ذاتها، التى تبقى السلم الاجتماعى مفهومًا مائزًا، ومانعًا للحرية الشخصية والمنصوص عليها فى الدستور الجديد وفى المعاهدات الموقعة عليها البلاد، فضلًا عن أن "درأ المخاطر" عبارة مطاطية سمحت طوال التاريخ بممارسات تعسفية ضد الحريات. السبب الآخر، ملخصه أن المقترح أشبه بمن ذهب إلى الطبيب يشكو آلامًا فى ضرسه، فأمره بقطع الرأس بأكملها.

وفى رأينا، لا سبيل للخلاص من المشكلة الطائفية سوى نشر ثقافة المواطنة من جهة، وتحويل مفاهيمها لممارسات واقعية ملموسة، والدفاع عن "المدنية" التى تسمح بإقرار الزواج المدنى لكافة الأطراف مسلمين/ات ومسيحيين/ات، وإلزام المؤسسات الدينية الرسمية بالاعتراف به بقوة القانون، وبالطبع إسقاط التبعات المترتبة على رفض الكنيسة والأزهر للزواج المدنى، وهى تبعات فى أقلها "صعوبات عظيمة"، تضع الإنسان أمام خيارين أحلاهما علقم؛ فإما أن يكون متزمتًا أصوليًا لا يجادل ولا يناقش، أو يخرج عن ملته تمامًا.

إن السلم الاجتماعى هدف نبيل، وضرورة للتعايش، يمكن الوصول إليه دون أن تكون التكلفة سلب حرية الناس الاجتماعية والعقائدية، مؤكدين أن الشرائع والقوانين واللوائح إنما شُرعت وسُننت لخدمة البشرية، وإسعادها، وتسيير مصالحها، لا لتعذيبها والوقوف ضد مصلحة الناس. ويكتسب أى تشريع أهميته وفاعليته "وسلطته" من تحقيقه لمصالح البشر، وبالمثل يُبطل أى تشريع، مهما كان مصدره، طالما لم يحقق سعادة الإنسان أو يقف عائقًا ضد تحقيقها.

نؤكد أن خضوع المؤسسات الدينية والمواطنين لسلطة القانون وتنفيذ أحكامه يحقق سيادة الدولة ونفاذ القانون من ناحية، ومن ناحية ثانية يحمى المجتمع من التشتت والتمزيق والانزلاق والدخول فى مسار شقاء أبنائه، ويحفظ الاتزان والاستقرار. ناهيك عن أن إقرار الدولة المدنية الحديثة يعنى تفكيك الولاءات الصغيرة، وخضوع الجميع "طواعية تحت لواء ولاءات أكبر كالولاء للوطن.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة