السؤال يجيب عنه كتاب «داعش خرائط الوهم والدم» للكاتب الصحفى «محمود الشناوى» الذى بدأنا فى تناوله خلال اليومين الماضيين، وتحدثنا عن بداياته الأولى، ويضيف «الشناوى» أنه كان أميرا على بلدة صغيرة على الحدود السورية العراقية، بعد أن كان مجرد عنصر فاعل فى عمليات تهريب المقاتلين الأجانب الذين كانت دمشق محطتهم الأولى إلى بلاد الرافدين، حيث المشاركة فى أعمال العنف المذهبى.
ويضيف «الشناوى» أن الأمر الذى لا خلاف عليه هو أن شخصية «البغدادى» شديدة الغموض، وأن الرجل فاق فى فى عنفه ما وصل إليه غيره من القادة التقليديين لتنظيم القاعدة الأم، وسمعته كقائد ميدانى عنيف ومخطط عسكرى هى ثمرة الفوضى التى غلفت المشهد السورى، بالإضافة إلى الأداء الضعيف والمتخبط الذى عليه الجيش العراقى، مما أدى إلى سقوط كل هذه المساحات الشاسعة من المحافظات السنية.
ويقول «الشناوى» إن مستوى التشدد الذى وضع البغدادى أسسه وينفذه مقاتلوه على الأرض، بدا على الرجل مبكرا، عندما أسس محكمة شرعية عرفت بتفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، وتميزت بأحكامها القاسية عندما تولى مسؤولية تلك البلاد الحدودية، التى كانت معبرا لانتقال المتطوعين والانتحاريين العرب والأجانب إلى العراق، وربما يفسر هذا الأمر ما نشب من خلاف بين «داعش» و«القاعدة»، حيث أعاد إنتاج الخلاف بين التنظيم الأم القاعدة و«داعش» عندما واجهت القاعدة ما يمكن اعتباره محنة إبان عصر الزرقاوى، بسبب إقدامه على قطع الرؤوس علنا وتكفير المخالفين، والإمعان فى قتل الشيعة والأقليات، بالإضافة إلى عمليات التطهير العرقى المبالغ فيها، مما أدى إلى تفريغ أرض العراق من مكوناته، هو نفس ما يجرى اليوم ضد المسيحيين والإيزيديين فى الموصل وغيرها من مدن محافظة نينوى.
الخلاف بين القاعدة وداعش يمكن اختزالها فى القول بأننا أصبحنا أمام منهجين ومدرستين، الأولى تمثلها جبهة النصرة، التى تعكس منهج القاعدة بعد المراجعات الأخيرة، ما يختصره الدكتور إياد القنيبى، أحد أبرز المنظرين فى هذه الأوساط، بوصفه لـ«النصرة» بأنها التيار التجديدى فى القاعدة، بينما تنظيم الدولة الإسلامية هو امتداد للزرقاوى ومنهجه الأيديولوجى بما يمثله من مرحلة جديدة فى القاعدة نفسها، لكنه يقف على الطرف الأكثر تشددا وأدلجة من القيادة المركزية، ويعكس صعود طبيعة التحولات لدى الجيل السلفى «الجهادى» الجديد، الذى أصبح أكثر تشددا وعنفا فى تبنى رؤيته ومحاولة فرض هيمنته وسيطرته والتمادى فى العداء مع كل المخالفين حتى ممن يتبنون الرؤية الإسلامية، وهو الأمر الواضح من سلوكه فى العراق وسوريا.
وحول «داعش» من الداخل يقول «الشناوى» إن أسلوب «البغدادى» لا يبتعد كثيرا عن أسلوب أستاذه «الزرقاوى»، باستثناء تركيز «البغدادى» لصناعة القرار فى يديه، وتكريس سلطته المطلقة بكل مفاصل الإمارة، وفى هذا الإطار ألغى منصب وزير الحرب، وجعل من منصبه كأمير للمسلمين سلطة دينية تتيح له التحكم المباشر وغير المباشر بالتنظيم، فهو ليس رئيس تنظيم أو حزب سياسى وإنما ولى أمر وقائد.