أجريت استطلاع رأى بين عدد قليل من أصدقائى فى مراحل عمرية مختلفة حول تعلقهم بيوم 6 أكتوبر، وكانت الإجابة 8 من أصدقائى يرتبطون بأكتوبر، لأنه إجازة رسمية فى المصالح الحكومية والمدارس والجامعات، و3 يرتبطون به لذكرى العبور العظيم و2 يرتبطان به لما يعرض فى التليفزيونات من أفلام تاريخية مثل الطريق إلى إيلات والرصاصة لا تزال فى جيبى والحلقة الأخيرة من رأفت الهجان.
الإجابات تحمل ناقوس الخطر، وكيف أن نصر أكتوبر العظيم تحول وهو يتم عامه الواحد والأربعين من ذكرى ملحمة وطنية إلى إجازة يوم فى المصالح الحكومية، وهو الأمر الذى يحتاج إلى تحليل ودراسة حول الأسباب التى أدت بالمصريين إلى تلك النتيجة المؤلمة.
قضيت إجازة العيد مهموما بهذا السؤال الصعب، وتوصلت بعد تفكير متواصل إلى أن الأصل فى تراجع اهتمام المصريين بأكتوبر كملحة عظيمة، يرتبط بتراجع اهتمامنا كمصريين بكتابة التاريخ فى تلك المرحلة، وعدم توثيق الوقائع على نحو يحفظ للأجيال المتعاقبة التعلق بها بقدر يماثل الأجيال التى صنعتها، ورغم أننا خرجنا من أكتوبر منتصرين، فإن القاعدة العلمية «التاريخ يكتبه المنتصر» لم تنطبق علينا، فلم ننتج فيلما وثائقيا كبيرا ولم نصدر موسوعة كبيرة لشهادات موثقة عن أبطال المعركة.
إسقاط قاعدة «التاريخ يكتبه المنتصر» على أرض الواقع المصرى، يضعك أمام حقائق صادمة بأن التاريخ المصرى فى تلك المرحلة الخطيرة بات معلقا بأهواء عدد من الشخصيات بيدها النشر وبيدها المنع وبيدها الإذاعة أو الحذف، ولنا فى شهادة اللواء سمير فرج، رئيس الشؤون المعنوية للقوات المسلحة الأسبق، أن المشير أبوغزالة قاله له وقت تسجيل فيلم وثائقى عن أكتوبر: «لو سجلت معاك صفوت الشريف مش هيذيع»، وهو أمر يعكس كيف أن الصراع الشخصى بين أبو غزالة والشريف انتهى بالسلب على تاريخ مصر، وأن شهادة قائد عظيم مثل أبوغزالة لم توثق.
أزمة التاريخ الثانية عن نصر أكتوبر أن سنوات حكم مبارك انتهت بتصدير مبارك كرجل الحرب الأول وقائد الضربة الجوية وصاحب الخطة الذهبية، فى حين أن قادة عسكريون وقت تصدير تلك الفكرة، كانوا على قيد الحياة، وساهموا فى حرب أكتوبر بقدر أكبر بمراحل من مبارك نفسه، وأبرزهم الفريق سعد الدين الشاذلى الذى حذفت صوره من بانوراما أكتوبر.
تلك الحالة وغيرها خلقت عند المصريين أقرب ما يقال عليه «الملل من ذكرى أكتوبر»، ومهدت الطريق أمام تل أبيب لسرقة التاريخ وتزييفه وظهر أخيرا فى كلمة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى افيخاى أدرعى على صفحته الرسمية، يدعى فيها كذبا أن حرب أكتوبر كانت نصرا عسكريا مجيدا لهم، نجحوا فيه من خلال تكتيكات عسكرية لتطويق الجيش المصرى وإجباره التوقيع على وقف إطلاق النار.
انطلاقا من ضرورة إعادة الحق لأكتوبر ورجاله، وإعادة الحق للنصر العظيم وفى محاولة للحفاظ على التاريخ من السرقة، أخصص هذه المساحة يوميا على مدار شهر أكتوبر لكتابة قصص أبطال معركة أكتوبر، تخليدا لذكراهم.
ادعو القارئ الكريم أن يشاركنى الكتابة ويرسل لى قصص أبطال تستحق أن تخرج للنور.